٢٣٤وقوله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ (٢٣٤) يقال : كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج ، وكان ينبغى أن يكون الخبر عن الَّذِينَ؟ فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأوّل ويكون الخبر عن المضاف إليه. فهذا من ذلك لأن المعنى - واللّه أعلم - إنما أريد به : ومن مات عنها زوجها تربصت. فترك الأوّل بلا خبر ، وقصد الثاني لأن فيه الخبر والمعنى. قال : وأنشدنى بعضهم : بنى أسد إنّ ابن قيس وقتله بغير دم دار المذلّة حلّت «٣» فألقى (ابن قيس) وأخبر عن قتله أنه ذلّ. ومثله : لعلّى إن مالت بي الرّيح ميلة على ابن أبى ذبّان أن يتندّما «٤» (٣) فى ج : «خلت» بدل «حلت». وكأنه يريد : إن قتله دار المذلة حلت له ، فجملة «حلت» خبر «دار المذلة» والرابط محذوف. (٤) أبو ذبان كنية عبد الملك بن مروان ، كنى بذلك لبخر كان به من أثر فساد كان فى فمه. ويعنى الشاعر بابنه هشام بن عبد الملك. وانظر اللسان (ذنب) ، والحيوان ٣/ ٣٨١. فقال : لعلّى ثم قال : أن يتندما لأن المعنى : لعلّ ابن أبى ذبّان أن يتندّم إن مالت بي الريح. ومثله قوله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ «١» إلا أن الهاء من قوله وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ رجعت على (الذين) فكان الإعراب فيها أبين لأن العائد من الذّكر قد يكون خبرا كقولك : عبد اللّه ضربته. وقال : وَعَشْراً ولم يقل : «عشرة» وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالى والأيام غلّبوا عليه الليالى حتى إنهم ليقولون : قد صمنا عشرا من شهر رمضان - لكثرة تغليبهم الليالى على الأيام. فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء ، والدّكران بالهاء كما قال اللّه تبارك وتعالى : «سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً» «٢» فأدخل الهاء فى الأيام حين ظهرت ، ولم تدخل فى «٣» الليالى حين ظهرن. وإن جعلت العدد غير متّصل بالأيام كما يتّصل الخافض بما بعده غلّبت الليالى أيضا على الأيّام. فإن اختلطا فكانت ليالى وأياما غلّبت التأنيث ، فقلت : مضى له سبع ، ثم تقول بعد : أيام فيها برد شديد. وأما المختلط فقول الشاعر «٤» : أقامت ثلاثا بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجارا فقال : ثلاثا وفيها أيام. وأنت تقول : عندى ثلاثة بين غلام وجارية ، ولا يجوز هاهنا ثلاث لأن الليالى من الأيام تغلب الأيام. ومثل ذلك فى الكلام أن تقول : (١) آية ٢٤٠ سورة البقرة. (٢) آية ٧ سورة الحاقة : (٣) سقط فى ج. (٤) هو النابغة الجعدي. والبيت من قصيدة مدح فيها النبي صلى اللّه عليه وسلّم وأوّلها : خليلى عوجا ساعة وتهجرا ولو ما على ما أحدث الدهر أو ذرا و قد وصف فى البيت الشاهد بقرة وحشية أكل السبع ولدها ، فأقامت ثلاثة أيام تطلبه حتى وجدت شلوه وبقيته فأضافت أي حزنت وأشفقت أو ضافت أي تردّدت وذهبت هنا وهنا لا تلوى على شىء من فرط أساها ، وحأرت وصاحت وكان هذا كل ما وسعها ، ولم يكن لها نكير ما أصابها غير ما ذكر. وتضيف بضم التاء من أضاف ، أو بفتحها من ضاف. وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة ٢/ ١٩٣ عندى عشر من الإبل وإن عنيت أجمالا ، وعشر من الغنم والبقر. وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء ، مثل البقر واحدته بقرة ، فتقول : عندى عشر من البقر وإن نويت ذكرانا. فإذا اختلطا وكان المفسّر من النوعين قبل صاحبه أجريت العدد فقلت : عندى خمس عشرة ناقة وجملا ، فأنّثت لأنك بدأت بالناقة فغلّبتها. وإن بدأت بالجمل قلت : عندى خمسة عشر جملا وناقة. فإن قلت : بين ناقة وجمل فلم تكن مفسّرة غلّبت التأنيث ، ولم تبال أبدأت بالجمل أو بالناقة فقلت : عندى خمس عشرة بين جمل وناقة. ولا يجوز أن تقول : عندى خمس عشرة أمة وعبدا ، ولا بين أمة وعبد إلّا بالتذكير لأن الذكران من غير ما ذكرت لك لا يجتزأ منها بالإناث ، ولأن الذكر منها موسوم بغير سمة الأنثى ، والغنم والبقر يقع على ذكرها وأنثاها شاة وبقرة ، فيجوز تأنيث المذكّر لهذه الهاء التي لزمت المذكّر والمؤنّث. وقوله مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ الخطبة مصدر بمنزلة الخطب ، وهو مثل قولك : إنه لحسن القعدة والجلسة يريد القعود والجلوس ، والخطبة مثل الرسالة التي لها أوّل وآخر ، قال : سمعت بعض العرب [يقول ] «١» : اللهم ارفع عنا هذه الضغطة ، كأنه ذهب إلى أن لها أوّلا وآخرا ، ولو أراد مرّة لقال : الضغطة ، ولو أراد الفعل لقال الضغطة كما قال المشية. وسمعت آخر يقول : غلبنى [فلان ] «٢» على قطعة لى من أرضى يريد أرضا مفروزة مثل القطعة لم تقسم ، فإذا أردت أنها قطعة من شىء [قطع منه ] «٣» قلت : قطعة. وقوله : أَوْ أَكْنَنْتُمْ للعرب فى أكننت الشيء إذا سترته لغتان «٤» : كننته وأكننته ، قال : وأنشدونى «٥» قول الشاعر : ثلاث من ثلاث قداميات من اللاتي تكنّ من الصقيع (١) زيادة فى اللسان (خطب). (٢ ، ٣) زيادة فى اللسان (قطع). [.....] (٤) كذا فى اللسان (كنن). وفى الأصول : «إذا سرّته لغتان». (٥) كذا فى اللسان. وفى الأصول : «أنشدنى». و بعضهم [يرويه ] «١» تكنّ من أكننت. وأما قوله : «لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ» و«بَيْضٌ مَكْنُونٌ» فكأنه مذهب للشىء يصان ، وإحداهما قريبة من الأخرى. وقوله : وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا يقول : لا يصفنّ أحدكم نفسه فى عدّتها بالرغبة فى النكاح والإكثار منه. حدّثنا محمد بن الجهم قال حدّثنا الفرّاء قال حدّثنى حبّان «٢» عن الكلبي «٣» عن أبى «٤» صالح عن ابن عباس أنه قال : السرّ فى هذا الموضع النكاح. وأنشد عنه بيت امرئ القيس : ألا زعمت بسباسة اليوم أننى كبرت وألّا يشهد السرّ أمثالى «٥» قال الفرّاء : ويرى أنه مما كنى اللّه عنه قال : «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» «٦». (١) زيادة فى اللسان. (٢) يبدو أنه حبان بن على العنزي الكوفي. كان وجها من وجوه أهل الكوفة ، وكان فقيها. وتوفى بالكوفة سنة ١٧١ ، وانظر تهذيب التهذيب. (٣) هو أبو النضر محمد بن السائب الكوفىّ. توفى سنة ١٤٦ ، وانظر الخلاصة. (٤) هو باذام مولى أم هانئ. وانظر الخلاصة. (٥) من قصيدته التي أوّلها : ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان فى العصر الخالي و بسبّاسة امرأة من بنى أسد. ويروى «اللهو» فى مكان «السر» ، وانظر الخزانة ١/ ٢٨ (٦) الغائط فى أصل اللغة : المطمئن الواسع من الأرض ، ويكنى به عن العذرة لأنهم كانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا الغائط من الأرض. |
﴿ ٢٣٤ ﴾