٢٦٦

و قوله : أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ...... (٢٦٦)

ثم قال بعد ذلك (وأصابه الكبر) ثم قال (فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت) فيقول القائل : فهل يجوز فى الكلام أن يقول : أتودّ أنّ تصيب مالا فضاع ، والمعنى : فيضيع

 قلت : نعم ذلك جائز فى وددت لأن العرب تلقاها مرّة ب (أن) ومرّة ب (لو) فيقولون : لوددت لو ذهبت عنا ، [و] وددت أن تذهب عنا ، فلمّا صلحت بلو وبأن ومعناهما جميعا الاستقبال استجازوا أن يردّوا فعل بتأويل لو ، على يفعل مع أن. فلذلك قال : فأصابها ، وهى فى مذهبه بمنزلة لو إذ ضارعت إن بمعنى الجزاء فوضعت فى مواضعها ، وأجيبت إن بجواب لو ، ولو بجواب إن قال اللّه تبارك وتعالى «وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ» «١» والمعنى - واللّه أعلم - : وإن أعجبتكم ثم قال وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا «٢» [مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ] فأجيبت لئن بإجابة لو ومعناهما مستقبل. ولذلك قال فى قراءة أبىّ ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلوا» «٣» ردّه على تأويل : ودّوا أن تفعلوا. فإذا رفعت (فيميلون) رددت على تأويل لو كما قال اللّه تبارك وتعالى وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ «٤» وقال أيضا وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ «٥» وربما جمعت العرب بينهما جميعا قال اللّه تبارك وتعالى وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» «٦» وهو مثل جمع العرب بين ما وإن وهما جحد قال الشاعر :

(١) آية ٢٢١ سورة البقرة. [.....]

(٢) آية ٥١ سورة الروم.

(٣) آية ١٠٢ سورة النساء.

(٤) آية ٩ سورة القلم.

(٥) آية ٧ سورة الأنفال.

(٦) آية ٣٠ سورة آل عمران.

قد يكسب المال الهدان الجافي بغير لا عصف ولا اصطراف «١»

و قال آخر :

ما إن رأينا مثلهن لمعشر سود الرءوس فوالج وفيول «٢»

و ذلك لاختلاف اللفظين يجعل أحدهما لغوا. ومثله قول الشاعر :

من النفر اللاء الذين إذا هم تهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا «٣»

ألا ترى أنه قال : اللاء الذين ، ومعنا هما الذين ، استجيز جمعهما لاختلاف لفظهما ، ولو اتفقا لم يجز. لا يجوز ما ما قام زيد ، ولا مررت بالذين الذين يطوفون. وأما قول الشاعر :

كما ما امرؤ فى معشر غير رهطه ضعيف الكلام شخصه متضائل

فإنما استجازوا الجمع بين ما وبين [ما] «٤» لأن الأولى وصلت بالكاف ، - كأنها كانت هى والكاف اسما واحدا - ولم توصل الثانية ، واستحسن الجمع بينهما. وهو فى قول اللّه كَلَّا لا وَزَرَ «٥» كانت لا «٦» موصولة ، وجاءت الأخرى مفردة فحسن اقترانهما. فإذا قال القائل : (ما ما قلت بحسن) «٧» جاز ذلك على غير عيب لأنه

(١) نسب فى اللسان (هدن) إلى رؤبة. والهدان : الأحمق الثقيل. والعصف : الكسب ، وكذلك الاصطراف.

(٢) الفوالج جمع الفالج ، وهو جمل ذو سنامين يجلب من السند للفحلة. والفيول جمع الفيل.

(٣) ينسب هذا إلى أبى الربيس أحد اللصوص ، يقوله فى عبد اللّه بن جعفر بن أبى طالب ، وكان قد سرق ناقة له. وقبله :

مطية بطال لدن شب همه قمار الكعاب والطلاء المشعشع

و يروى هذا الشعر لغير عبد اللّه بن جعفر. وانظر الخزانة ٢/ ٥٢٩.

(٤) زيادة اقتضاها السياق.

(٥) آية ١١ سورة القيامة.

(٦) ذلك أن كلا مركبة عند الكوفيين من كاف التشبيه ولا النافية. وشدّدت اللام لتقوية المعنى.

وقد نسب هذا القول صاحب المغني إلى ثعلب.

(٧) كذا فى ج. وفى ش : «يحسن».

يجعل ما الأولى جحدا والثانية فى مذهب الذي. [وكذلك لو قال : من من عندك؟

جاز لأنه جعل من الأول استفهاما ، والثاني على مذهب الذي ] «١». فإذا اختلف معنى الحرفين جاز الجمع بينهما.

وأما قول الشاعر :

كم نعمة كانت لها كم كم وكم

إنما هذا تكرير حرف ، لو وقعت «٢» على الأوّل أجزأك من الثاني. وهو كقولك للرجل :

نعم نعم ، تكررها ، أو قولك : اعجل اعجل ، تشديدا للمعنى. وليس هذا من البابين الأولين فى شىء. وقال الشاعر : «٣»

هلّا سألت جموع كن دة يوم ولّوا أين أينا

و أمّا قوله : (لم أره منذ يوم يوم) فإنه ينوى بالثاني غير اليوم الأوّل ، إنما هو فى المعنى : لم أره «٤» منذ يوم تعلم. وأما قوله :

نحمى حقيقتنا وبع ض القوم يسقط بين بينا «٥»

فإنه أراد : يسقط هو لا بين هؤلاء ولا بين هؤلاء. فكان اجتماعهما فى هذا الموضع بمنزلة قولهم : هو جارى بيت بيت ، ولقيته كفّة كفّة «٦» لأن الكفّتين واحدة منك وواحدة منه. وكذلك هو جارى بيت بيت معناه : بيتي وبيته لصيقان.

(١) زيادة فى ج.

(٢) كذا. والأنسب : «وقفت». [.....]

(٣) هو عبيد بن الأبرص يقوله فى أبيات يردّ بها على إمرئ القيس بن حجر ، وكان توعد بنى أسد قوم عبيد إذ قتلوا أبا امرئ القيس. وكندة قوم امرئ القيس. وانظر الأغانى (بولاق) ١٩/ ٨٥

(٤) من ذلك قول الفرزدق :

و لو لا يوم يوم ما أردنا لقاءك والقروض لها جزاء

قال الشنتمرى «أي لو لا نصرنا لك فى اليوم الذي تعلم ...» وانظر الكتاب ٢/ ٥٣

(٥) من قصيدة عبيد التي منها البيت السابق. وحقيقة الرجل ما يحق عليه أن يحميه كالأهل والولد.

(٦) أي كفاحا ومواجهة.

﴿ ٢٦٦