٢٦٧و قوله : وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ... (٢٦٧) فتحت (أن) بعد إلّا وهى فى مذهب جزاء. وإنما فتحتها لأن إلا قد وقعت عليها بمعنى خفض يصلح. فإذا رأيت (أن) فى الجزاء قد أصابها معنى خفض أو نصب أو رفع انفتحت. فهذا من ذلك. والمعنى - واللّه أعلم - ولستم بآخذيه إلا على إغماض ، أو بإغماض ، أو عن إغماض ، صفة «٢» غير معلومة. ويدلك على أنه جزاء أنك تجد المعنى : إن أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه. ومثله قوله : إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ «٣» ومثله إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ «٤» هذا كلّه جزاء ، وقوله وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «٥» ألا ترى أن المعنى : لا تقل إنى فاعل إلا ومعها إن شاء اللّه فلمّا قطعتها (إلا) عن معنى الابتداء ، مع ما فيها من نيّة الخافض فتحت. ولو لم تكن فيها (إلّا) تركت على كسرتها من ذلك أن تقول : أحسن إن قبل منك. فإن أدخلت (إلّا) قلت : أحسن إلا ألّا يقبل منك. فمثله (٢) يريد أن حرف الجر المحذوف فى (أن تغمضوا) يصح تقديره على أو عن أو الباء فهو غير معين. (٣) آية ٢٢٩ سورة البقرة. (٤) آية ٢٣٧ سورة البقرة. (٥) آية ٢٤ سورة الكهف. قوله وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى «١» ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ «٢» هو جزاء ، المعنى : إن تصوموا فهو خير لكم. فلما أن صارت (أن) مرفوعة ب (خير) «٣» صار لها ما يرافعها إن فتحت وخرجت من حدّ الجزاء. والناصب كذلك. ومثله من الجزاء الذي إذا وقع عليه خافض أو رافع أو ناصب ذهب عنه الجزم قولك : اضربه من كان ، ولا آتيك ما عشت. فمن وما فى موضع جزاء ، والفعل فيهما مرفوع «٤» فى المعنى لأنّ كان والفعل الذي قبله قد وقعا على (من) و(ما) فتغيّر عن الجزم ولم يخرج من تأويل الجزاء قال الشاعر «٥» : فلست مقاتلا أبدا قريشا مصيبا رغم ذلك من أصابا فى «٦» تأويل رفع لوقوع مصيب على من. ومثله قول اللّه عزّ وجلّ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ «٧» إن جعلت (من) مردودة «٨» على خفض (الناس) فهو من هذا ، و(استطاع) فى موضع «٩» رفع ، وإن نويت الاستئناف بمن كانت جزاء ، وكان الفعل بعدها جزما ، واكتفيت بما جاء قبله من جوابه. وكذلك تقول فى الكلام : أيّهم يقم فاضرب ، فإن قدّمت الضرب (١) آية ٢٣٧ سورة البقرة. (٢) آية ١٨٤ سورة البقرة. (٣) فى ش ، ج : (بخبر). (٤) يريد أن الفعل لا يكون مجزوما ، وإذا كان ماضيا لفظا فهو مراد به الاستقبال ، فهو فى تأويل المضارع المرفوع. وفى الأصول : «موقوع» وهو تحريف. (٥) هو الحارث بن ظالم. والبيت من قصيدة مفضلية. وانظر شرح المفضليات لابن الأنبارى ٥١٧ [.....] (٦) يريد أن «أصاب» فى البيت فى موقع رفع لأن «من» مفعول «مصيب» وبهذا خرجت «من» عن معنى الجزاء ، فلم يكن الفعل معها فى موضع الجزم. (٧) آية ٩٧ سورة آل عمران. (٨) يريد أنها بدل من (الناس). (٩) كأنه يريد أن (استطاع) فى مكان يستطيع المرفوعة. فأوقعته على أىّ قلت اضرب أيّهم يقوم قال بعض العرب «١» : فأيّهم ما أخذها ركب على أيهم يريد. ومنه قول الشاعر «٢» : فإنى لآتيكم تشكّر ما مضى من الأمر واستيجاب ما كان فى غد لأنه لا يجوز لو لم يكن جزاء أن تقول : كان فى غد لأن (كان) إنما خلقت للماضى إلّا فى الجزاء فإنها تصلح للمستقبل. كأنه قال : استيجاب أىّ شىء كان فى غد. ومثل «٣» إن فى الجزاء فى انصرافها عن الكسر إلى الفتح إذا أصابها رافع قول العرب : (قلت إنك قائم) فإنّ مكسورة بعد القول فى كل تصرّفه. فإذا وضعت مكان القول شيئا فى معناه مما قد يحدث خفضا أو رفعا أو نصبا فتحت أنّ ، فقلت : ناديت أنك قائم ، ودعوت ، وصحت وهتفت. وذلك أنك تقول : ناديت زيدا ، ودعوت زيدا ، وناديت «٤» بزيد ، (وهتفت بزيد) «٥» فتجد هذه الحروف تنفرد «٦» بزيد وحده والقول لا يصلح فيه أن تقول : قلت زيدا ، ولا قلت بزيد. فنفذت الحكاية فى القول ولم تنفذ فى النداء لاكتفائه بالأسماء. إلا أن يضطرّ شاعر إلى كسر إنّ فى النداء وأشباهه ، فيجوز له كقوله : «٧» إنى سأبدى لك فيما أبدى لى شجنان شجن بنجد و شجن لى ببلاد الهند (١) فى اللسان (أىّ) : «أيهم ما أدرك يركب على أيهم يريد». (٢) هو الطرماح بن حكيم الطائىّ. وقبله : من كان لا يأتيك إلا لحاجة يروح بها فيما يروح ويغتدى و انظر الديوان ١٤٦ (٣) كذا فى ش. وفى ح : «مثله». (٤) كذا. وقد يكون : «صحت». (٥) زيادة فى ش. (٦) أي لا تحتاج إلى شىء وراءه ، بخلاف القول ، فلا تقول : قلت زيدا ، وتسكت. (٧) انظر فى هذا الرجز ص ٨٠ من هذا الجزء. لو ظهرت إنّ فى هذا الموضع لكان الوجه فتحها. وفى القياس أن تكسر لأن رفع الشجنين دليل على إرادة القول ، ويلزم من فتح أنّ لو ظهرت أن تقول : لى شجنين «١» شجنا بنجد. فإذا رأيت القول قد وقع على شىء فى المعنى كانت أنّ مفتوحة. من ذلك أن تقول : قلت لك ما قلت أنك ظالم لأنّ ما فى موضع نصب. وكذلك قلت : زيد صالح أنه صالح لأن قولك (قلت زيد قائم) فى موضع نصب. فلو أردت أن تكون أنّ مردودة على الكلمة التي قبلها كسرت فقلت : قلت ما قلت : إن أباك قائم ، (وهى الكلمة التي قبلها) «٢» وإذا فتحت فهى سواها. قول اللّه تبارك وتعالى فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا «٣» وإنا ، قد قرئ بهما. فمن فتح نوى أن يجعل أنّ فى موضع خفض ، ويجعلها تفسيرا للطعام وسببه كأنه قال : إلى صبّنا الماء وإنباتنا ما أنبتنا. ومن كسر نوى الانقطاع «٤» من النظر عن إنّا كأنه قال : فلينظر الإنسان إلى طعامه ، ثم أخبر بالاستئناف. (١) ونصبه بقوله : «سأبدى». (٢) يريد أن إن وجملتها على هذا هى الكلمة التي قبلها ، وهى (ما قلت). فإن فتحت ، فالمقول شىء آخر محذوف ، وأنّ فى موقع الجر أي قلت كذا لأن أباك قائم. هذا وفى الأصل : «و الكلمة هى التي قبلها» ويبدو أنه مغير عما أثبتنا. (٣) آية ٢٤ سورة عبس. [.....] (٤) فى الأصل : «بالانقطاع» والوجه ما أثبت. |
﴿ ٢٦٧ ﴾