٢٦

وقوله : قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ (٢٦) اللَّهُمَّ كلمة تنصبها العرب. وقد قال بعض «١» النحويين : إنما نصبت إذ زيدت فيها الميمان لأنها لا تنادى بيا كما تقول : يا زيد ، ويا عبد اللّه ، فجعلت الميم فيها خلفا من يا. وقد أنشدنى «٢» بعضهم :

و ما عليك أن تقولى كلّما صلّيت أو سبّحت يا اللهمّ ما

اردد علينا شيخنا مسلما «٣» ولم نجد العرب زادت مثل هذه الميم فى نواقص الأسماء إلا مخفّفة مثل الفم وابنم وهم «٤» ، ونرى أنها كانت كلمة ضمّ إليها امّ ، تريد : يا اللّه امّنا بخير ، فكثرت فى الكلام فاختلطت «٥». فالرفعة التي فى الهاء من همزة أمّ لما تركت «٦» انتقلت إلى ما قبلها.

ونرى أن قول العرب : (هلمّ إلينا) مثلها إنما كانت (هل) فضمّ إليها أمّ فتركت على نصبها. ومن العرب من يقول إذا طرح الميم : يا اللّه اغفر لى ، ويا اللّه

(١) هو الخليل. وانظر سيبويه ١/ ٣١٠

(٢) يريد الردّ على الرأى السابق. وذلك أن الميم المشدّدة لو كانت خلفا من حرف النداء لما جمع بينهما فى هذا الرجز. ويجعل أصحاب هذا الرأى الرجز من الشاذ الذي لا يعوّل عليه.

(٣) «يا اللهم ما» زيدت (ما) بعد اللهم. وقد ذكر ذلك الرضى فى شرح الكافية فى مبحث المنادى. والشيخ هنا الأب أو الزوج. وانظر الخزانة ١/ ٣٥٨

(٤) كأنه يريد هم الضمير ، وأصلها هوم إذ هى جمع هو فحذفت الواو وزيدت الميم للجمعية وإن كان هذا الرأى يعزى إلى البصريين. وانظر شرح الرضى للكافية فى مبحث الضمائر.

(٥) أي امتزجت بما قبلها ، وهو لفظ الجلالة. وفى الطبري : «فاختلطت به».

(٦) أي الهمزة ، يريد حذفها للتخفيف بعد نقل حركتها إلى ما قبلها.

اغفر لى ، فيهمزون ألفها ويحذفونها. فمن حذفها فهو على السبيل لأنها ألف ولام مثل الحارث من الأسماء. ومن همزها توهّم أنها من الحرف إذ كانت لا تسقط منه أنشدنى بعضهم :

مبارك هوّ ومن سمّاه على اسمك اللهمّ يا اللّه

و قد كثرت (اللهم) فى الكلام حتى خفّفت ميمها فى بعض اللغات أنشدنى بعضهم :

كحلفة من أبى رياح يسمعها اللهم الكبار «١»

و إنشاد العامّة : لاهه الكبار. وأنشدنى الكسائىّ :

يسمعها اللّه واللّه كبار وقوله تبارك وتعالى : تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ. (إذا «٢» رأيت من تشاء مع من تريد من تشاء أن تنزعه منه). والعرب تكتفى بما ظهر فى أوّل الكلام ممّا ينبغى أن يظهر بعد شئت. فيقولون : خذ ما شئت ، وكن فيما شئت. ومعناه فيما شئت أن تكون فيه. فيحذف الفعل بعدها قال تعالى : «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ» «٣» وقال تبارك وتعالى فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ «٤» والمعنى - واللّه أعلم - : فى أىّ صورة شاء أن

(١) هذا من قصيدة للأعشى أوّلها :

أ لم تروا إرما وعادا أودى بها الليل والنهار

و قبل البيت :

أقسمتم حلفا جهارا أن نحن ما عندنا عرار

و أبو رياح رجل من بنى ضبيعة قتل رجلا فسألوه أن يحلف أو يدفع الدية فحلف ثم قتل فضربته العرب مثلا لما لا يغنى من الحلف. وانظر الخزانة ١/ ٣٤٥ ، والصبح المنير ١٩٣. وقوله : واللّه كبار يقرأ لفظ الجلالة باختلاس فتحة اللام وسكون الهاء ، وكبار مبالغة الكبير.

(٢) كذا فى ش ج. ولم يستقم وجه المعنى فيه. وكأن الأصل : أن تؤتيه إياه. (وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) أن تنزعه منه.

(٣) آية ٤٠ سورة فصلت.

(٤) آية ٨ سورة الانفطار.

يركّبك ركّبك. ومنه قوله تعالى : وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ «١» وكذلك الجزاء كله إن شئت فقم ، وإن شئت فلا تقم المعنى : إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت ألّا تقوم فلا تقم. وقال اللّه فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ «٢» فهذا بيّن أنّ المشيئة واقعة على الإيمان والكفر ، وهما متروكان. ولذلك قالت العرب : (أيّها شئت فلك) فرفعوا أيّا لأنهم أرادوا أيّها شئت أن يكون لك فهو لك. وقالوا (بأيّهم شئت فمرّ) وهم يريدون : بأيّهم شئت أن تمرّ فمرّ.

(١) آية ٣٩ سورة الكهف. [.....]

(٢) آية ٢٩ سورة الكهف.

﴿ ٢٦