٤٢

وقوله : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا (٤٢) والعدوة : شاطئ الوادي الدُّنْيا مما يلى المدينة ، والْقُصْوى مما يلى مكّة.

وقوله وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعنى أبا سفيان والعير ، كانوا على شاطئ البحر.

وقوله أَسْفَلَ مِنْكُمْ نصبت يريد : مكانا أسفل منكم. ولو وصفهم بالتسفل وأراد : والركب أشد تسفّلا لجاز ورفع.

وقوله وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ كتابتها على الإدغام بياء واحدة ، وهى أكثر قراءة القراء. وقد قرأ بعضهم «٣» (حيى عن بيّنة) بإظهارها. وإنما أدغموا الياء مع الياء وكان ينبغى لهم ألا يفعلوا لأن الياء الآخرة لزمها النصب فى فعل ، فأدغموا لمّا التقى حرفان متحرّكان من جنس واحد. ويجوز الإدغام فى الاثنين للحركة اللازمة للياء الآخرة ، فتقول للرجلين : قد حيّا ، وحييا. وينبغى للجمع ألا يدغم لأنّ ياءه

(٣) هم نافع والبزىّ عن ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر ويعقوب وخلف.

يصيبها الرفع وما قبلها مكسور ، فينبغى لها أن تسكن فتسقط بواو الجمع. وربما أظهرت العرب الإدغام فى الجمع إرادة تأليف الأفعال وأن تكون كلها مشدّدة.

فقالوا فى حييت حيّوا ، وفى عييت عيّوا أنشدنى بعضهم :

يحدن بنا عن كلّ حىّ كأننا أخاريس عيّوا بالسلام وبالنّسب «١»

يريد النّسب. وقال الآخر :

من الذين إذا قلنا : حديثكم عيّوا ، وإن نحن حدّثناهم شغبوا «٢»

و قد اجتمعت العرب على إدغام التحيّة والتحيّات بحركة الياء الأخيرة فيها كما استحبّوا إدغام عىّ وحىّ بالحركة اللازمة فيها. وقد يستقيم أن تدغم الياء والياء فى يحيا ويعيا وهو أقل من الإدغام فى حىّ لأن يحيا يسكن ياؤها إذا كانت فى موضع رفع ، فالحركة فيها ليست لازمة. وجواز ذلك أنك «٣» إذا نصبتها كقول اللّه تبارك وتعالى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى «٤» استقام إدغامها هاهنا ثم نؤلّف الكلام ، فيكون فى رفعه وجزمه بالإدغام فتقول (هو يحىّ ويميت) أنشدنى بعضهم :

و كأنها بين النساء سبيكة تمشى بسدّة بيتها فتعىّ «٥»

و كذلك يحيّان ويحيّون.

(١) كأنه يصف إبلا سافروا عليها وتجنبوا الأحياء فى طريقهم. وأخاريس كأنه جمع أخرس ، جمعه على أفاعل وأشبع الكسرة فتولدت الياء ، وقد ذهب به مذهب الاسم فجمعه هذا الجمع ، ولو لا هذا لقال : خرس.

(٢) «قلنا : حديثكم» أي هاتوا حديثكم أو حدّثوا حديثكم. يرميهم بالعيّ والشغب.

(٣) سقط فى ش ، ج. وثبت فى أ.

(٤) آية ٤٠ سورة القيامة.

(٥) سدة البيت : فناؤه. يصف امرأة أنها منعمة يثقل عليها المشي ، فلو مشت بفناء بيتها لحقها الإعباء والكلال.

و قوله : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ (٤٨) هذا إبليس تمثل فى صورة رجل من بنى كنانة يقال له سراقة بن جعشم. قال الفراء : وقوله وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ «١» من قومى بنى كنانة ألّا يعرضوا لكم ، وأن يكونوا معكم على محمد (صلى اللّه عليه وسلم) فلمّا عاين الملائكة عرفهم ف «نكص على عقبيه» ، فقال له الحرث «٢» بن هشام : يا سراقة أفرارا من غير قتال! فقال (إنى أرى ما لا ترون).

(١) كذا فى أ. وفى ش ، ج : «بين».

(٢) هو أخو أبى جهل. أسلم يوم الفتح. واستشهد يوم اليرموك ، وقيل : فى طاعون عمواس.

﴿ ٤٢