٥

و قوله : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ (٥) عن الذين أجلهم خمسون ليلة. فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ومعنى الأشهر الحرم : المحرّم وحده. وجاز أن يقول : الأشهر الحرم للمحرم وحده لأنه متّصل بذي الحجة وذى القعدة وهما حرام كأنه قال : فإذا انسلخت الثلاثة.

وقوله : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (٥) فى الأشهر الحرم وغيرها فى الحلّ والحرم.

وقوله : وَاحْصُرُوهُمْ وحصرهم أن يمنعوا من البيت الحرام.

وقوله : وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ يقول : على طرقهم إلى البيت فقام رجل من الناس حين قرئت (براءة) فقال : يا ابن أبى طالب ، فمن أراد منا أن يلقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى بعض الأمر بعد انقضاء الأربعة فليس له عهد؟ قال علىّ :

بلى ، لأن اللّه تبارك وتعالى قد أنزل :

وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (٦) يقول : ردّه إلى موضعه ومأمنه.

و قوله : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فى موضع جزم وإن فرق بين الجازم والمجزوم ب (أحد). وذلك سهل فى (إن) خاصّة دون حروف الجزاء لأنها شرط وليست باسم ، ولها عودة إلى الفتح فتلقى الاسم والفعل وتدور فى الكلام فلا تعمل ، فلم يحفلوا أن يفرقوا بينها وبين المجزوم بالمرفوع والمنصوب. فأما المنصوب فمثل قولك : إن أخاك ضربت ظلمت. والمرفوع مثل قوله : إِنِ «١» امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ولو حوّلت (هلك) إلى (إن يهلك) لجزمته ، وقال الشاعر «٢» :

فان أنت تفعل فللفاعلي ن أنت المجيزين تلك الغمارا

و من فرق بين الجزاء وما جزم بمرفوع أو منصوب لم يفرق بين جواب الجزاء وبين ما ينصب بتقدمة المنصوب أو المرفوع تقول : إن عبد اللّه يقم يقم أبوه ، ولا يجوز أبوه يقم ، ولا أن تجعل مكان الأب منصوبا بجواب الجزاء. فخطأ أن تقول : إن تأتنى زيدا تضرب. وكان الكسائىّ يجيز تقدمة النصب فى جواب الجزاء ، ولا يجوّز تقدمة المرفوع ، ويحتجّ بأن الفعل إذا كان للأول عاد فى الفعل راجع ذكر الأول ، فلم يستقم إلغاء الأوّل. وأجازه فى النصب لأن المنصوب لم يعد ذكره فيما نصبه ، فقال : كأن المنصوب لم يكن فى الكلام. وليس ذلك كما قال لأن الجزاء له جواب بالفاء. فإن لم يستقبل بالفاء استقبل بجزم مثله ولم يلق باسم ،

(١). ١٧٦ سورة النساء.

(٢) هو الكميت بن زيد من قصيدته فى مدح أبان بن الوليد بن عبد الملك بن مروان. يقول :

إن تفعل هذه المكارم فأنت منسوب للفاعلين الأجواد. والغمار جمع الغمرة وهى الشدة. و«المجيزين» وصف من أجاز بمعنى جاز.

إلا أن يضمر فى ذلك الاسم الفاء. فإذا أضمرت الفاء ارتفع الجواب فى منصوب الأسماء ومرفوعها لا غير. واحتجّ بقول الشاعر «١» :

و للخيل أيّام فمن يصطبر لها ويعرف لها أيامها الخير تعقب

فجعل (الخير) منصوبا ب (تعقب). (والخير) فى هذا الموضع نعت للايام كأنه قال : ويعرف لها أيامها الصالحة تعقب. ولو أراد أن يجعل (الخير) منصوبا ب (تعقب) لرفع (تعقب) لأنه يريد : فالخير تعقبه.

(١) هو طفيل الغنوي. والبيت من قصيدة عدتها ٧٦ بيتا ، فالها فى غارة له على طيء أكثرها فى وصف الخيل. يقول : إن الخيل تنفع فى الغارات والدفاع عن الذمار وتبلى البلاء الحسن ، فمن يعرف هذا لها ويصبر على العناية بها أعقبته الخير ودفعت عنه الضير. وأنظر الخزانة ٣/ ٦٤٢

﴿ ٥