٤٤وقوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ (٤٤) للعرب فى (لكن) لغتان : تشديد النون وإسكانها. فمن شدّدها نصب بها الأسماء ، ولم يلها فعل ولا يفعل. ومن خفّف نونها وأسكنها لم يعملها فى شىء اسم (٢) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف. (٣) آية ١٢٢ سورة التوبة. (٤) آية ١٦١ سورة آل عمران. (٥) يشير إلى القراءتين فى الآية. وانظر ص ٢٤٦ من هذا الجزء. (٦) آية ٣٢ سورة الحجر. (٧) كما فى الآية ١٢ من سورة الأعراف. [.....] و لا فعل ، وكان الذي يعمل فى الاسم الذي بعدها ما معه ، ينصبه أو يرفعه أو يخفضه من ذلك قوله وَلكِنَّ «١» النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَلكِنَّ «٢» اللَّهَ رَمى (وَ لكِنَّ «٣» الشَّياطِينَ كَفَرُوا) رفعت هذه الأحرف بالأفاعيل التي بعدها. وأماقوله ما كانَ «٤» مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ فإنك أضمرت (كان) بعد (لكن) فنصبت بها ، ولو رفعته على أن تضمر (هو) : ولكن هو رسول اللّه كان صوابا. ومثله (وَ ما كانَ «٥» هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) و(تصديق). ومثله (ما كانَ «٦» حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) (وتصديق). فإذا ألقيت من (لكن) الواو التي فى أوّلها آثرت العرب تخفيف نونها. وإذا أدخلوا الواو آثروا تشديدها. وإنما فعلوا ذلك لأنها رجوع عمّا أصاب أوّل الكلام ، فشبّهت ببل إذ كان رجوعا مثلها ألا ترى أنك تقول : لم يقم أخوك بل أبوك ثم تقول : لم يقم أخوك لكن أبوك ، فتراهما بمعنى واحد ، والواو لا تصلح فى بل ، فإذا قالوا (ولكن) فأدخلوا الواو تباعدت من (بل) إذ لم تصلح الواو فى (بل) ، فآثروا فيها تشديد النون ، وجعلوا الواو كأنها واو دخلت لعطف لا لمعنى بل. وإنما نصبت العرب بها إذا شدّدت نونها لأن أصلها : إنّ عبد اللّه قائم ، فزيدت على (إن) لام وكاف فصارتا جميعا حرفا واحدا ألا ترى أن الشاعر قال : و لكننى من حبّها لكميد «٧» (١) الرفع والتخفيف قراءة الكسائىّ وحمزة وخلف. وقرأ الباقون بالتشديد والنصب. (٢) آية ١٧ سورة الأنفال. وقراءة الرفع والتخفيف لابن عامر وحمزة والكسائىّ وخلف. (٣) آية ١٠٢ سورة البقرة. والتخفيف والرفع للقرّاء الذين سلف ذكرهم آنفا. (٤) آية ٤٠ سورة الأحزاب. (٥) آية ٣٧ سورة يونس. (٦) آية ١١١ سورة يوسف. (٧) كميد وصف من كمد كفرح : أصابه الكمد وهو أشدّ الحزن. ويروى «لعميد» ، وهو فعيل فى معنى مفعول من عمده المرض أو العشق إذا فدحه وهدّه. فلم تدخل اللام إلا لأن معناها إنّ. وهى فيما وصلت به من أوّلها بمنزلة قول الشاعر : لهنّك من عبسيّة لوسيمة على هنوات كاذب من يقولها «١» وصل (إنّ) هاهنا بلام وهاء كما وصلها ثمّ بلام وكاف. والحرف قد يوصل «٢» من أوّله وآخره. فمما وصل من أوله (هذا) ، و(ها ذاك) ، وصل ب (ها) من أوّله. ومما وصل من آخره. قوله : إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ «٣» ، وقوله : لتذهبن ولتجلسن. وصل من آخره بنون وب (ما). ونرى أن قول العرب : كم مالك ، أنها (ما) وصلت من أولها بكاف ، ثم إن الكلام كثر ب (كم) حتى حذفت الألف من آخرها فسكنت ميمها كما قالوا : لم قلت ذاك؟ ومعناه : لم قلت ذاك ، ولما «٤» قلت ذاك؟ قال الشاعر : يا أبا الأسود لم أسلمتنى لهموم طارقات وذكر و قال بعض العرب فى كلامه وقيل له : منذكم قعد فلان؟ فقال : كمذ أخذت فى حديثك ، فردّه الكاف فى (مذ) يدلّ على أن الكاف فى (كم) زائدة. وإنهم ليقولون : كيف أصبحت ، فيقول : كالخير ، وكخير. وقيل لبعضهم : كيف تصنعون الأقط؟ فقال : كهيّن. (١) عبسية يريد امرأة من بنى عبس. والهنوات جمع هنة وهى ما يقبح التصريح به ، يريد الفعلات القبيحة. وانظر الخزانة ٤/ ٣٢٦. (٢) فى ش ، ج : «يوصل بها». (٣) آية ٩٣ سورة المؤمنون. (٤) تراه أثبت ألف ما مع الجارّ ، وبعض النحويين يمنعه. |
﴿ ٤٤ ﴾