ومن سورة هود

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله : الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [١].

رفعت الكتاب بالهجاء الذي قبله ، كأنك قلت : حروف الهجاء هذا القرآن. وإن شئت أضمرت له ما يرفعه كأنك قلت : الر هذا الكتاب.

٢

وقوله (ثُمَّ فُصِّلَتْ) بالحلال والحرام. والأمر والنهى. لذلك جاء قوله (أَلَّا تَعْبُدُوا) [٢]

٣

ثم قال (وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) [٣].

أي فصّلت آياته ألّا تعبدوا وأن استغفروا. فأن فى موضع نصب بإلقائك الخافض «١».

(١) وهو الباء والأصل : بألا تعبدوا .. وأن استغفروا. وانظر الطبري.

٥

وقوله : أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ [٥].

نزلت فى بعض من كان يلقى النبىّ صلى اللّه عليه وسلم بما يحبّ ، وينطوى له على العداوة والبغض. فذلك الثنى هو الإخفاء. وقال اللّه تبارك وتعالى ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم اللّه ما يخفون من عداوة محمّد صلى اللّه عليه وسلم.

(حدّثنا محمد قال) «٢» حدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى الثقة عبد اللّه بن المبارك عن ابن جريج «٣» عن رجل أظنّه عطاء عن ابن عبّاس أنه قرأ (تثنونى صدورهم) وهو فى العربيّة بمنزلة تنثنى كما قال عنترة :

(٢) سقط ما بين القوسين فى ا. ومحمد هو ابن الجهم راوى الكتاب.

(٣) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي توفى سنة ١٤٩ ه. وانظر غاية النهاية تحت رقم ١٩٥٩.

و قولك للشىء الذي لا تناله إذا ما هو احلولى ألا ليت ذاليا «١»

و هو من الفعل : افعوعلت.

(١) قبله مطلع القصيدة. وهو :

ألا قاتل اللّه الطلول البواليا وقاتل ذكراك السنين الخواليا

و انظر مختار الشعر الجاهلى ٣٨٠.

٦

وقوله : وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها [٦] فمستقرّها : حيث تأوى ليلا أو نهارا. ومستودعها :

موضعها الذي تموت فيه أو تدفن.

٧

وقوله : لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا ساحر مبين [٧].

(وسِحْرٌ مُبِينٌ). فمن قال : (ساحر «٢» مبين) ذهب إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم من قولهم. ومن قال : (سِحْرٌ) ذهب إلى الكلام.

(حدّثنا «٣» محمد قال) حدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى أبو إسرائيل «٤» عن الأعمش عن أبى رزين «٥» عن عبد اللّه بن مسعود أنه قرأ فى ثلاثة مواضع ساحر : فى آخر المائدة «٦» وفى يونس «٧» وفى الصفّ «٨».

قال الفراء : ولم يذكر الذي «٩» فى هود. وكان يحيى بن وثّاب يقرأ فى أربعة مواضع ويجعل هذا رابعا يعنى فى هود.

(٢) الأولى : (ساحر) قراءة حمزة والكسائي وخلف والثانية : (سحر) قراءة الباقين.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٤) هو إسماعيل بن خليفة الكوفي مات سنة ١٦٩ ه. وانظر الخلاصة. [.....]

(٥) هو لقيط بن صبرة. وهو من الصحابة كما فى الخلاصة.

(٦) فى الآية ١١٠.

(٧) ورد فى يونس فى الآيات ٢ ، ٧٦ ، ٧٩.

(٨) فى الآية ٦.

(٩). ٢ : «التي»

١١

وقوله : إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا [١١] فى موضع نصب بالاستثناء من قوله : (وَ لَئِنْ «١٠» أَذَقْناهُ) يعنى

(١٠) فى الآية ١٠

الإنسان ثم استثنى من الإنسان لأنه فى معنى الناس ، كما قال تبارك وتعالى : (وَ الْعَصْرِ «١» إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فاستثنى كثيرا من لفظ واحد لأنه تأويل جماع.

(١) فى أول سورة العصر.

١٢

وقوله - عزّ وجلّ - : فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [١٢].

يقول : يضيق صدرك بما نوحيه إليك فلا تلقيه إليهم مخافة أن يقولوا : لو لا أنزل عليك كنز. فأن فى قوله : (أَنْ يَقُولُوا) دليل على ذلك. وهى بمنزلة قوله : (يُبَيِّنُ «٢» اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) و(من) تحسن فيها ثم تلقى ، فتكون فى موضع نصب كما قال - عز وجل : (يَجْعَلُونَ «٣» أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) ألا ترى أن (من) تحسن فى الحذر ، فإذا ألقيت انتصب بالفعل لا بإلقاء (من) كقول الشاعر «٤» :

و أغفر عوراء الكريم اصطناعه وأعرض عن ذات اللّئيم تكرّما

(٢) خاتمة سورة النساء.

(٣) الآية ١٩ سورة البقرة.

(٤) هو حاتم الطائي. وهو من قصيدة يتمدح فيها بمكارم الأخلاق. وقوله : «اصطناعه» فالرواية المشهورة :

«ادخاره» والعوراء الكلمة القبيحة. وانظر الخزانة فى الشاهد التاسع والسبعين بعد المائة.

١٣

و قوله : قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [١٣] ثم قال جلّ ذكره : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) [١٤] ولم يقل : لك وقد قال فى أوّل الكلام (قل) ولم يقل : قولوا وهو بمنزلة قوله : (عَلى «٥» خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ).

 (٥) الآية ٨٣ سورة يونس. وهو يريد بالتمثيل أنه إذا أسند إلى الرئيس فعل ذهب الوهم إلى من معه. وانظر ص ٤٧٦ ج ١ من هذا الكتاب.

١٥

وقوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها [١٥] ثم قال : (نُوَفِّ) لأن المعنى فيها بعد كان. وكان «٦» قد يبطل فى المعنى لأن القائل يقول : إن كنت تعطينى سألتك ، فيكون كقولك : إن

(٦) فى ا : «كأن كان» يريد أن (كان) في الآية فى حكم المزيدة ، فكأن فعل الشرط (يريد) فهو مضارع كالجواب فقد توافقا من هذه الجهة.

أعطيتنى سألتك. وأكثر ما يأتى الجزاء على أن يتّفق هو وجوابه.

فإن قلت : إن تفعل أفعل فهذا حسن. وإن قلت : إن فعلت أفعل كان مستجازا. والكلام إن فعلت فعلت. وقد قال فى إجازته زهير :

و من هاب أسباب المنايا ينلنه ولو نال أسباب السّماء بسلّم «١»

و قوله : (وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) يقول : من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب الدنيا عجّل له ثوابه ولم يبخس أي لم ينقص فى الدنيا.

(١) هو من معلقته.

١٧

وقوله : [أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ [١٧] (فالذى على «٢» البيّنة من ربّه محمد صلى اللّه عليه وسلم. وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) يعنى جبريل «٣» عليه السلام يتلو القرآن ، الهاء للقرآن.

وتبيان ذلك : ويتلو القرآن شاهد من اللّه (وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى ) رفعت الكتاب بمن.

ولو «٤» نصبت على : ويتلو من قبله كتاب موسى (إِماماً) منصوب على «٥» القطع من (كِتابُ مُوسى ) فى الوجهين. وقد قيل فى قوله : (وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) : يعنى الإنجيل يتلو القرآن ، وإن كان قد أنزل قبله. يذهب إلى أنه يتلوه بالتصديق. ثم قال : ومن قبل الإنجيل كتاب موسى.

ولم يأت لقوله : (أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) جواب «٦» بيّن كقوله فى سورة محمد صلى اللّه عليه وسلم : (أَ فَمَنْ كانَ»

عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) وربما تركت العرب جواب

(٢) سقط ما بين القوسين فى ش ، ج [.....]

(٣) فى ا : «جبرئيل» وهو لغة فيه.

(٤) جواب لو محذوف أي لجاز.

(٥) أي على الحال.

(٦) والجواب المحذوف أو الخبر : كمن كان يريد الدنيا كما فى البيضاوي.

(٧) الآية ١٤

الشيء المعروف معناه وإن ترك الجواب قال الشاعر «١» :

فأقسم لو شىء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

و قال اللّه - تبارك وتعالى وهو أصدق من قول الشاعر - : (وَ لَوْ أَنَّ «٢» قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) فلم يؤت «٣» له بجواب واللّه أعلم. وقد يفسّره بعض النحويّين يعنى أن جوابه «٤» : (وهم يكفرون ولو أنّ قرآنا) والأوّل أشبه بالصواب. ومثله : (وَ لَوْ تَرى «٥» إِذِ الْمُجْرِمُونَ) (وَ لَوْ يَرَى «٦» الَّذِينَ ظَلَمُوا) وقوله فى الزمر : (أَمَّنْ «٧» هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) ولم يؤت له بجواب. وكفى «٨»قوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) من ذلك. فهذا ممّا ترك جوابه ، وكفي منه ما بعده ، كذلك قال فى هود : (مَثَلُ «٩» الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا) ولم يقل : هل يستوون. وذلك أن الأعمى والأصمّ من صفة واحد والبصير والسّميع من صفة واحد كقول القائل : مررت بالعاقل واللبيب وهو يعنى واحدا. وقال الشاعر «١٠» :

و م ا أدرى إذا يمّمت وجها أريد الخير أيّهما يلينى

أ الخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي لا يأتلينى

(١) أي امرؤ القيس. يريد : لو شىء أتانا رسوله سواك دفعناه بدليل قوله : ولكن لم نجد لك مدفعا. وفي الديوان ٢٤٢ : «أجدك لو شىء ...»

(٢) الآية ٣١ سورة الرعد.

(٣) أي أن الجواب محذوف. وهو (لكان هذا القرآن).

(٤) هذا على أن جواب الشرط قد يتقدم وهو مذهب كوفى. وعند غيرهم أنه دليل الجواب.

(٥) الآية ١٢ سورة السجدة. والجواب محذوف تقديره : لرأيت أمرا فظيعا.

(٦) الآية ٩٣ سورة الأنعام والجواب محذوف تقديره : لرأيت أمرا عظيما.

(٧) الآية ٩ سورة الزمر.

(٨) فالجواب تقديره : كالعاصى. والمراد نفى استوائهما كما نفى استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

(٩) فى الآية ٢٤ [.....]

(١٠) انظر ص ٢٣١ من الجزء الأول من هذا الكتاب.

قال : أيّهما وإنما ذكر الخير وحده لأن المعنى يعرف : أن المبتغى للخير متّق للشرّ وكذلك قول اللّه جل ذكره : (سَرابِيلَ «١» تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [أي ] وتقى البرد. وهو كذلك وإن لم يذكر.

وقوله : (وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) فيقال : من أصناف الكفّار. ويقال :

إن كلّ كافر حزب.

(١) الآية ٨١ سورة النحل.

٢٠

وقوله : وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ [٢٠].هم رءوس الكفرة الذين يضلّون. وقوله : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) على وجهين. فسّره بعض المفسّرين : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السّمع «٢» ولا يفعلون. فالباء حينئذ كان ينبغى لها أن تدخل ، لأنه قال : (وَ لَهُمْ «٣» عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فى غير موضع من التنزيل أدخلت فيه الباء ، وسقوطها جائز كقولك «٤» فى الكلام : بأحسن ما كانوا يعملون وأحسن ما كانوا يعملون. وتقول فى الكلام : لأجزينّك بما عملت ، وما عملت. ويقال : ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون : أي أضلّهم اللّه عن ذلك فى اللوح المحفوظ.

(٢) سقط في ا.

(٣) الآية ١٠ سورة البقرة.

(٤) الأولى : كقوله تعالى. فإن الاستعمالين واردان فى الكتاب العزيز فالأول فى الآية ٩٦ سورة النحل ، والثاني فى الآية ٧ سورة العنكبوت.

٢٢

وقوله : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ) [٢٢] كلمة كانت فى الأصل بمنزلة لا بدّ أنّك قائم ولا محالة أنّك ذاهب ، فجرت على ذلك ، وكثر استعمالهم إيّاها ، حتّى صارت بمنزلة حقّا ألا ترى أن العرب تقول :

لا جرم لآتينك ، لا جرم قد أحسنت. وكذلك فسّرها المفسّرون بمعنى الحقّ. وأصلها من جرمت

أي كسبت الذنب وجرّمته. وليس قول من قال إن جرمت كقولك : حققت أو حققت بشىء وإنما لبّس على قائله قول الشاعر «١» :

و لقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن تغضبافرفعوا (فزارة) قالوا : نجعل الفعل لفزاره كأنه بمنزلة حقّ لها أو حقّ لها أن تغضب وفزارة منصوبة فى قول الفراء أي جرمتهم الطعنة أن يغضبوا.

ولكثرتها فى الكلام حذفت منها الميم فبنو فزارة يقولون : لا جر أنك قائم. وتوصل من أوّلها بذا ، أنشدنى بعض بنى كلاب :

إن كلابا والدي لاذا جرم لأهدرنّ اليوم هدرا صادقا «٢»

هدر المعنّى ذى الشقاشيق اللهم «٣» وموضع أن مرفوع كقوله :

أ حقّا عباد اللّه جرأة محلق علىّ وقد أعييت عاد وتبّعا

(١) هو أسماء بن الضريبة. وقيل : عطية بن عفيف. وقوله : «أن تغضبا» كذا فى الأصول. والرواية :

«يغضبوا» وقبله :

يا كرز إنك قد قبلت بفارس بطل إذا هاب الكمأة وجببوا

كان كرز قد طعن أبا عيينة حصن بن حذيفة الفزاري فى يوم الحاجر فقتل به فرثاه الشاعر. وقوله : «جببوا» أي فروا ونفروا من القتال. وانظر الخزانة ٤/ ٣١٠ ، واللسان فى المادة.

(٢) «هدرا صادقا» كذا فى الأصول ، وهو لا يستقيم فى الرجز المعروف عن العرب. وقد كتبها بعض الفضلاء «هدرا فى النعم» ولم أقف على سنده. وهدر البعير ترديد صوته فى حنجرته.

(٣) المعنى : فحل الإبل الذي حبس أو رغب عن ضرابه. والشقاشيق جمع شقشقة وهى كالرئة تخرج من فم البعير إذا هاج واغتلم. وأصله الشقاشق فزاد الياء. واللهم : الذي يلتهم كل شىء : يفتخر أنه من كلاب ، وأنه سيصول في أقرانه كما يصول الفحل الهائج

٢٣

و قوله : وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ [٢٣].

معناه : تخشّعوا لربّهم وإلى ربّهم. وربّما جعلت العرب (إلى) فى موضع اللام. وقد قال اللّه عزّ

و جلّ : (بِأَنَّ «١» رَبَّكَ أَوْحى لَها) وقال : (الْحَمْدُ «٢» لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) وقال : (يَهْدِيهِمْ «٣» إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) وقال : (فَأَوْحى «٤» إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) وقد يجوز فى العربيّة أن تقول : فلان يخبت إلى اللّه تريد : يفعل ذلك بوجهه إلى اللّه لأن معنى الإخبات الخشوع ، فيقول : يفعله بوجهه إلى اللّه وللّه. وجاء فى التفسير : وأخبتوا فرقا «٥» من اللّه فمن يشاكل معنى اللام ومعنى إلى إذا أردت به لمكان هذا ومن أجل هذا.

(١) الآية ٥ سورة الزلزلة

(٢) الآية ٤٣ سورة الأعراف

(٣) الآية ١٧٥ سورة النساء

(٤) الآية ١٣ سورة إبراهيم

(٥) أي خوفا

٢٧

وقوله : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [٢٧] رفعت الأراذل بالاتّباع «٦» وقد وقع الفعل فى أوّل الكلام على اسمه. ولا تكاد العرب تجعل المردود بإلّا إلا على المبتدأ لا على راجع ذكره. وهو جائز. فمن البيّن الذي لا نظر فيه أن تقول : ما قام أحد إلّا زيد. وإن قلت : ما أحد قام إلا زيد فرفعت زيدا بما عاد فى فعل أحد فهو قليل وهو جائز. وإنما بعد على المبتدأ لأنه كناية ، والكناية لا يفرق فيها بين أحد وبين عبد اللّه ، فلمّا قبح أن تقول : ما قام هو إلّا زيد ، وحسن : ما قام أحد إلا زيد تبيّن ذلك لأن أحدا كأنّه ليس فى الكلام فحسن الردّ على الفعل. ولا يقال للمعرفة أو الكناية أحد إذ شاكل «٧» المعرفة كأنه «٨» ليس فى الكلام ألا ترى أنك تقول ما مررت بأحد إلا بزيد (فكأنك «٩»قلت : ما مررت إلا بزيد) لأن أحدا لا يتصوّر فى الوهم أنه معمود «١٠» له. وقبيح أن تقول : ليس أحد مررت به إلّا بزيد لأن الهاء لها صورة كصورة

(٦) الظاهر أنه يريد أنه مرفوع فى المعنى بالاتباع في قوله : «اتبعك» يريد أنه فاعل الاتباع فى الحقيقة وإن كان الفعل واقعا على (الذين) اسم الموصول فهو اسمه. [.....]

(٧) أي الكناية

(٨) أي كأن أحدا.

(٩) سقط ما بين القوسين فى ش.

(١٠) في ا : «مصمود» والصمد والصمد : القصد

المعرفة ، وأنت لا تقول : ما قمت إلا زيد فهذا وجه قبحه. كذلك قال : (ما نَراكَ) ثم كأنه حذف (نراك) وقال : (ما اتّبعك إلا الذين هم أراذلنا) فان على هذا ما ورد عليك إن شاء اللّه :

(بادِيَ الرَّأْيِ) لا تهمز (بادِيَ) لأن المعنى فيما يظهر لنا [و«١»] يبدو. ولو قرأت «٢» (بادىء «٣» الرأى) فهمزت تريد أوّل الرأى لكان صوابا. أنشدنى بعضهم :

أضحى لخالى شبهى بادى بدى وصار للفحل لسانى ويدى «٤»

فلم يهمز ومثله مما تقوله العرب فى معنى ابدأ بهذا أوّل ، ثم يقولون. ابدأ بهذا آثرا ما وآثر ذى أثير (وأثير «٥» ذى أثير) وإثر ذى أثير ، وابدأ بهذا أوّل ذات يدين وأدنى دنىّ. وأنشدونا :

فقالوا ما تريد فقلت ألهو إلى الإصباح آثر ذى أثير «٦»

(١) زيادة من اللسان فى (بدأ) و(بدا).

(٢) قرأ بالهمز أبو عمرو.

(٣) كذا في ا. وفى ش ، ج : «بادى بابتداء الرأى» وفيها تحريف.

(٤) فى ا : «شبه» فى مكان «شبهى» يريد أن ظاهره فى الشبه لخاله ، فى الفعل باليد أو اللسان فهو ينزع إلى الفحل أي إلى أبيه ، وفي اللسان (بدا) أنه تعدى شرخ الشباب وصارت أعماله أعمال الفحولة والكهول.

(٥) ما بين القوسين فى ب.

(٦) هذا البيت من قصيدة لعروة بن الورد. كان قد سبى امرأة من كنانة وعاشرها مدة طويلة حتى كان له منها ولد. ثم عرفها أهلها وافتدوها منه بمال وتحينوا سكره فى ذلك ، فلما أيقن أنه سيفارقها طلب أن يلهو بها ليلته. وانظر الأغانى (الدار) ٣/ ٨٧.

و قوله : بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ [٢٧] مثل قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ «٧» إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) لأنهم كذّبوا نوحا وحده ، وخرج على جهة الجمع ، وقوله (فَإِلَّمْ «٨» يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) فلكم أريد بها النبىّ صلى اللّه عليه وسلم. وقوله : (فَاعْلَمُوا) ليست للنبى صلى اللّه عليه وسلم. إنما هى لكفّار مكّة ألا ترى أنه قال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

وقوله : (وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ).

(٧) أول سورة الطلاق.

(٨) الآية ١٤ سورة هود.

يعنى الرسالة. وهى نعمة ورحمة. وقوله : (فعمّيت عليكم) قرأها يحيى بن وثّاب والأعمش وحمزة «١». وهى فى قراءة أبىّ (فعمّاها عليكم) وسمعت العرب تقول : قد عمّى علىّ الخبر وعمى علىّ بمعنى واحد. وهذا ممّا حوّلت العرب الفعل إليه وليس له ، وهو فى الأصل لغيره ألا ترى أن الرجل الذي يعمى عن الخبر أو يعمّى عنه ، ولكنّه فى جوازه مثل قول العرب :

دخل الخاتم فى يدى والخفّ فى رجلى ، وأنت تعلم أن الرجل التي تدخل فى الخفّ والأصبع فى الخاتم. فاستخفّوا بذلك إذا «٢» كان المعنى معروفا لا يكون لذا فى حال ، ولذا فى حال إنما هو لواحد. فاستجازوا ذلك لهذا. وقرأه العامّة (فعميت) وقوله (أَ نُلْزِمُكُمُوها) العرب تسكّن الميم التي من اللزوم فيقولون : أنلزمكموها. وذلك أن الحركات قد توالت فسكنت الميم لحركتها وحركتين بعدها وأنها مرفوعة ، فلو كانت منصوبة لم يستثقل فتخفّف. إنما يستثقلون كسرة بعدها ضمة أو ضمة بعدها كسرة أو كسرتين متواليتين أو ضمّتين متواليتين. فأما الضمّتان فقوله : (لا يَحْزُنُهُمُ «٣») جزموا النون لأن قبلها ضمة فخفّفت كما قال (رسل) «٤»فأما الكسرتان فمثل قوله الإبل إذا خفّفت. وأما الضمّة والكسرة فمثل قول الشاعر :

و ناع يخبّرنا بمهلك سيّد تقطّع «٥» من وجد عليه الأنامل

و إن شئت تقطّع. وقوله فى الكسرتين :

إذا اعوججن قلت صاحب قوّم «٦»

(١) وكذلك قرأها الكسائي وحفص عن عاصم.

(٢) ا : «إذ» [.....]

(٣) الآية ١٠٣ سورة الأنبياء.

(٤) ب : «و أما».

(٥) ضبط فى ا : «تقطع» بصيغة الماضي.

(٦) هذا رجز بعده :

بالدون أمثال السفين العوم

قال الأعلم : «و الدو : الصحراء. وأراد بأمثال السفين رواحل محملة تقطع الصحراء قطع السفين البحر» وانظر سيبوية ٢/ ٢٩٧.

يريد صاحبى فإنما يستثقل الضمّ والكسر لأن لمخرجيهما مؤونة على اللسان والشفتين تنطمّ «١» الرفعة بهما فيثقل الضمّة ويمال أحد الشّدقين إلى الكسرة فترى ذلك ثقيلا. والفتحة تخرج من خرق الفم بلا كلفة.

٣٠

وقوله : وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ [٣٠].

يقول : من يمنعنى من اللّه. وكذلك كلّ «٢» ما كان فى القرآن منه فالنصر على جهة المنع.

(١) ش : «و ضم».

(٢) سقط فى ا.

٣٥

وقوله : فَعَلَيَّ إِجْرامِي [٣٥].

يقول : فعليّ إثمى. وجاء فى التفسير فعليّ آثامي ، فلو قرئت : أجرامى على التفسير كان صوابا.

وأنشدنى أبو الجراح :

لا تجعلونى كذوى الأجرام الدّهمسيّين ذوى ضرغام «٣»

فجمع الجرم أجراما. ومثل ذلك (وَ اللَّهُ «٤» يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) و(أسرارهم) وقد قرئ بهما «٥». ومنه (وَ مِنَ «٦» اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) و(أدبار السّجود) فمن قال : (إدبار) أراد المصدر. ومن قال (أسرار) أراد جمع السّر.

 (٣) «الدهمسيين» نسبة إلى الدهمسة وهى السرار أي الذين يتسترون لخبثهم. وضرغام علم. يريد آل هذا الرجل.

(٤) الآية ٢٦ سورة محمد.

(٥) قرأ بكسر الهمزة حفص وحمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بفتحها.

(٦) الآية ٤٠ سورة ق. قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو جعفر وخلف بكسر الهمزة ، والباقون بفتحها.

٣٦

وقوله : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) [٣٦] يقول : (لا تستكن ولا تحزن).

٣٧

وقوله : (بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) [٣٧] كقوله (ارْجِعُونِ «٧») يخرج على الجمع ومعناه واحد على ما فسّرت لك من قوله (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) لنوح وحده ، و(عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ).

(٧) الآية ٩٩ سورة المؤمنين.

٤٠

و قوله : وَفارَ التَّنُّورُ [٤٠] هو تنّور الخابر : إذا فار الماء من أحرّ مكان فى دارك فهى آية العذاب فأسر بأهلك. وقوله (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) والذكر والأنثى من كل نوع زوجان. وقوله (وَ أَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) حمل معه امرأة له سوى التي هلكت ، وثلاثة بنين ونسوتهم ، وثمانين إنسانا سوى ذلك. فذلك قوله (وَ مَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) و(الثمانون «١») هو القليل.

(١) ب : «فالثمانون).

٤١

وقوله : وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ [٤١] (إن شئت جعلت مجراها ومرساها) فى موضع رفع بالياء كما تقول : إجراؤها وإرساؤها بسم اللّه وبأمر اللّه. وإن شئت جعلت (بِسْمِ اللَّهِ) ابتداء مكتفيا بنفسه ، كقول القائل عند الذبيحة أو عند ابتداء المأكل وشبهه : بسم اللّه ويكون (مجريها ومرسيها) فى موضع نصب يريد بسم اللّه فى مجراها وفى مرساها. وسمعت العرب تقول :

الحمد للّه سرارك «٢» وإهلالك «٣» ، وسمع منهم الحمد للّه ما إهلالك إلى سرارك يريدون ما بين إهلالك إلى سرارك.

والمجرى والمرسى ترفع ميميهما قرأ بذلك إبراهيم النخعىّ والحسن وأهل المدينة. حدّثنا محمد قال :

حدّثنا الفراء قال : حدّثنا أبو معاوية «٤» عن الأعمش عن مسلم «٥» بن صبيح عن مسروق أنه قرأها (مَجْراها) بفتح الميم و(مرسها) بضم الميم. قال : وحدّثنا الفراء قال حدثنا أبو معاوية وغيره عن الأعمش عن رجل قد سمّاه عن عرفجة أنه سمع عبد اللّه بن مسعود قرأها (مجراها) بفتح الميم ورفع الميم من مرسيها.

وقرأ مجاهد (مجريها ومرسيها) يجعله من صفات اللّه عزّ وجلّ ، فيكون فى موضع خفض فى الإعراب لأنه معرفة. ويكون نصبا لأن مثله قد يكون نكرة لحسن الألف واللام فيهما ألا ترى

(٢) سرار القمر خفاؤه فى أواخر الشهر. وإهلاله حيث يظهر هلاله. يقال هذا عند رؤية الهلال.

(٣) سرار القمر خفاؤه فى أواخر الشهر. وإهلاله حيث يظهر هلاله. يقال هذا عند رؤية الهلال. [.....]

(٤) هو محمد بن خازم الضرير مات سنة ١٩٥ ه كما فى الخلاصة.

(٥) هو أبو الضحى العطار الكوفي توفى فى خلافة عمر بن عبد العزيز كما فى الخلاصة.

أنك تقول فى الكلام : بسم اللّه المجريها والمرساها. فإذا نزعت منه الألف واللام نصبته «١». ويدلّك على نكرته قوله : (هذا «٢» عارِضٌ مُمْطِرُنا) وقوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ «٣» عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) فأضافوه إلى معرفة ، وجعلوه نعتا لنكرة. وقال الشاعر «٤» :

يا ربّ عابطنا لو كان يأملكم لا قى مباعدة منكم وحرمانا

و قال الآخر :

و يا رب هاجى منقر يبتغى به ليكرم لمّا أعوزته المكارم

و سمع الكسائىّ أعرابيّا يقول بعد الفطر : ربّ صائمه لن يصومه وقائمه لن يقومه.

(١) على أنه سال.

(٢) الآية ٢٤ سورة الأحقاف.

(٣) الآية ٢٤ سورة الأحقاف.

(٤) هو جرير من قصيدة يهجو فيها الأخطل

٤٣

وقوله : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ [٤٣] (قالَ) نوح عليه السلام (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) فمن فى موضع نصب لأن المعصوم خلاف للعاصم والمرحوم معصوم. فكأنه نصبه بمنزلة قوله (ما لَهُمْ بِهِ «٥» مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) ومن استجاز رفع الاتباع أو الرفع فى قوله :

و بلد ليس به «٦» أنيس إلّا اليعافير وإلّا العيس

لم يجزله الرفع فى (من) لأن الذي قال : (إلّا اليعافير) جعل أنيس البرّ اليعافير والوحوش ، وكذلكقوله (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) يقول : علمهم ظنّ وأنت لا يجوز لك فى وجه أن تقول : المعصوم عاصم.

ولكن لو جعلت العاصم فى تأويل معصوم كأنك قلت : لا معصوم اليوم من أمر اللّه لجاز رفع (من) ولا تنكرنّ أن يخرج المفعول على فاعل ألا ترى قوله (مِنْ «٧» ماءٍ دافِقٍ) فمعناه واللّه أعلم : مدفوق

(٥) الآية ١٥٧ سورة النساء.

(٦) فى ا : «بلد ليس بها» وبلد محرف عن بلدة كما هى رواية سيبويه ١/ ٣٦٥. واليعافير أولاد الظباء واحدها يعفور. والعيس بقر الوحش لبياضها.

(٧) الآية ٦ سورة الطارق.

و قوله (فِي عِيشَةٍ «١» راضِيَةٍ) معناها مرضيّة ، وقال الشاعر «٢» :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى

معناه المكسوّ. تستدلّ على ذلك أنك تقول : رضيت هذه المعيشة ولا تقول : رضيت ودفق الماء ولا تقول : دفق ، وتقول كسى العريان ولا تقول : كسا. ويقرأ (إلّا من رحم) أيضا «٣».

ولو قيل لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلّا من رحم كأنّك «٤»قلت : لا يعصم «٥» اللّه اليوم إلّا من رحم ولم نسمع «٦» أحدا قرأ به.

(١) الآية ٢١ سورة الحاقة.

(٢) هو الحطيئة. والبيت من قصيدة يهجو فيها الزبرقان بن بدر التميمي.

(٣) سقط فى ا.

(٤) كذا فى ا. وفى شىء : «فإنك». ويصح أن يكون جواب لو بإسقاط الفاء.

(٥) ب : «يعصم». [.....]

(٦) فى الكشاف أنه قرىء به. ولم يذكر القارئ.

٤٤

وقوله : (وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) [٤٤] وهو جبل بحضنين «٧» من أرض الموصل ياؤه مشدّدة وقد حدّثت أنّ بعض «٨» القراء قرأ (على الجودي) بإرسال الياء. فإن تكن صحيحة فهى مما كثر به الكلام عند أهله فخفّف ، أو يكون قد سمّى بفعل أنثى مثل حطىّ وأصرّى وصرّى ، ثم أدخلت عليه الألف واللام. أنشدنى بعضهم - وهو المفضّل - :

و كفرت قوما هم هدوك لأقدمى إذ كان زجر أبيك سأسأ واربق «٩»

(٧) كذا فى الأصول. ولم أقف عليه فى البلدان. وقد يكون : «بحصنين» تثنيه حصن لما يتحصن به. وفى القاموس أن حصنين بلد وقلعة بوادي لية ولية فى بلاد العرب وليس فى الموصل. ولم يعين البلد ولم يعرف أين هوه.

(٨) هو الأعمش برواية المطوعى كما فى الإتحاف.

(٩) «أقدمى» يقولها الفارس لفرسه يأمرها بالإقدام فى الحرب ، وفى الحديث فى يوم بدر أنه سمع صوت يقول :

أقدم حيزوم وحيزوم فرس جبريل عليه السلام ، وقد جعل هذا زجرا والمعروف فى زجر الفرس اجدم. وسأسأزجر الحمار. يقول كفرت قوما علموك الغزو ورشحوك للسيادة ، وقد كنت قبل تركب الحمار وترعى الغنم. وقوله : اربق أي اربط الغنم فى حبل يجمعها.

و أنشدنى بعض بنى أسد :

لمّا رأيت أنها فى حطّى وفتكت فى كذبى ولطّى «١»

و العرب إذا جعلت مثل حطّى وأشباهه اسما فأرادوا أن يغيّروه عن مذهب الفعل حوّلوا الياء ألفا فقالوا :

حطّا ، أصرّا ، وصرّا. وكذلك ما كان من أسماء العجم آخره ياء مثل ماهى وشاهى وشنىّ حوّلوه إلى ألف فقالوا : ماها وشاها وشنّا. وأنشدنا «٢» بعضهم :

أتانا حماس بابن ماها يسوقه لتبغيه خيرا وليس بفاعل

(وَ حالَ «٣» بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء.

وقوله : (يا أَرْضُ «٤» ابْلَعِي) يقال بلعت وبلعت.

(١) تقدم هذا الرجز ببعض تغيير مع صلة له فى الجزء الأول ص ٣٦٩.

(٢) ا : «أنشد».

(٣) هذا فى الآية ٤٣.

(٤) فى الآية ٤٤.

٤٦

وقوله : يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [٤٦] الذي وعدتك أن أنجيهم ثم قال عزّ وجلّ :

(إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (وعامّة القراء «٥» عليه) حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : وحدّثنى حبّان «٦» عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس بذلك يقول : سؤالك إيّاى ما ليس لك به علم عمل غير صالح. وعامّة القراء عليه. (حدثنا «٧» الفرّاء) قال : وحدثنى «٨» أبو اسحق الشيبانىّ قال حدثنى أبو روق «٩» عن محمد «١٠»

(٥) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٦) ش : «حسان».

(٧) سقط ما بين القوسين فى ش.

(٨) هو سليمان بن أبى سليمان فيروز مات سنة ١٣٨ كما فى الخلاصة.

(٩) هو عطية بن الحارث الهمداني الكوفي كما فى الخلاصة.

(١٠) كانت وفاته سنة ١٣١ ه. [.....]

بن حجادة عن أبيه عن عائشة قالت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم«١» يقرأ (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (حدثنا «٢» الفراء) قال وحدثنى «٣» ابن أبى يحيى عن رجل قد سمّاه قال ، لا أراه إلا ثابتا البنانىّ عن شهر بن حوشب عن أمّ سلمة قالت : قلت يا رسول اللّه : كيف أقرؤها؟ قال (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) وقوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ويقرأ : تسألنّى بإثبات الياء وتشديد النون ويجوز أن تقرأ (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ) بنصب النون ، ولا توقعها إلّا على (ما) وليس فيها ياء فى الكتاب والقراء قد اختلفوا فيما يكون فى آخره الياء وتحذف فى الكتاب : فبعضهم يثبتها ، وبعضهم يلقيها من ذلك (أَكْرَمَنِ) «٤» و(أَهانَنِ) «٥» (فما آتان «٦» اللّه) وهو كثير فى القرآن.

(١) وهى قراءة الكسائي

(٢) ش : «حدثنى به»

(٣) ش : «حدثنى به»

(٤) الآية ١٥ سورة الفجر

(٥) الآية ١٦ سورة الفجر

(٦) الآية ٣٦ سورة النمل

٤٨

وقوله : (بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [٤٨] يعنى ذرّيّة من معه من أهل السعادة. ثم قال : (وَ أُمَمٌ) من أهل الشقاء (سَنُمَتِّعُهُمْ) ولو كانت (وأمما سنمتّعهم) نصبا لجاز توقع عليهم «٧» (سَنُمَتِّعُهُمْ) كما قال (فَرِيقاً «٨» هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ).

 (٧) ش : «أن توقع»

(٨) الآية ٣٠ سورة الأعراف

٤٩

وقوله : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ [٤٩]) يصلح مكانها (ذلك) مثل قوله (ذلِكَ «٩» مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) والعرب تفعل «١٠» هذا فى مصادر الفعل إذا لم يذكر مثل قولك : قد قدم فلان ، فيقول الآخر : قد فرحت بها وبه. فمن أنّث ذهب بها إلى القدمة ، ومن ذكّر ذهب إلى القدوم.

وهو مثل قوله (ثُمَّ تابُوا «١١» مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا).

(٩) الآية ١٠٠ سورة هود

(١٠) ش : «مثل هذا»

(١١) الآية ١٥٣ سورة الأعراف

و قوله : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) يقول : لم يكن علم نوح والأمم بعده من علمك ولا علم قومك (مِنْ قَبْلِ هذا) يعنى القرآن.

٥٢

وقوله : يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً [٥٢] يقول : يجعلها تدرّ عليكم عند الحاجة إلى المطر ، لا أن تدرّ ليلا ونهارا. وقوله (وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) ذكروا أنه كان انقطع عنهم الولد ثلاث سنين. وقال (قُوَّةً) لأن الولد والمال قوة.

٥٤

وقوله : إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [٥٤] كذّبوه ثم جعلوه مختلطا «١» وادّعوا أنّ آلهتهم هى التي خبلته لعيبه آلهتهم. فهنالك قال : إنى أشهد اللّه وأشهدكم أنى برىء منها.

(١) يقال : اختلط : ؟؟؟ عقله.

٥٧

وقوله : وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً [٥٧] رفع : لأنه جاء بعد الفاء. ولو جزم كان كما قال (مَنْ «٢» يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) كان «٣» صوابا. وفى قراءة عبد اللّه (ولا تنقصوه) جزما.

ومعنى لا تضرّوه يقول : هلاككم إذا أهلككم لا ينقصه شيئا.

و(عاد) مجرى «٤» فى كل القرآن لم يختلف فيه. وقد يترك إجراؤه ، يجعل اسما للأمّة التي هو منها ، كما قال الشاعر :

أ حقّا عباد اللّه جرأة محلق علىّ وقد أعييت عاد وتبّعا

و سمع الكسائىّ بعض العرب يقول : إن عاد وتبّع أمّتان.

(٢) الآية ١٨٦ سورة الأعراف. والجزم قراءة حمزة والكسائي وخلف كما فى الاتحاف.

(٣) هذه الجملة بدل من قوله : «كان كما قال ..» [.....]

(٤) أي مصروف

٦٣

وقوله : فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ [٦٣] يقول : فما تزيدوننى غير تخسير لكم وتضليل لكم ، أي كلّما اعتذرتم بشىء هو يزيدكم تخسيرا. وليس غير تخسير لى أنا. وهو كقولك للرجل ما تزيدنى إلّا غضبا أي غضبا عليك.

٦٤

وقوله : وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً [٦٤].

نصبت صالحا وهودا وما كان على هذا اللفظ بإضمار (أرسلنا).

و قد اختلف القراء فى (ثمود) فمنهم من أجراه فى كلّ حال. ومنهم من لم يجره فى حال.

حدّثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : حدّثنى قيس عن أبى إسحق عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخمىّ عن أبيه أنه كان لا يجرى (ثمود) فى شىء من القرآن (فقرأ «١» بذلك حمزة) ومنهم من أجرى (ثمود) فى النصب لأنها مكتوبة بالألف فى كل القرآن إلا فى موضع واحد (وَ آتَيْنا «٢» ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) فأخذ بذلك الكسائىّ فأجراها فى النصب ولم يجرها فى الخفض ولا فى الرفع إلّا فى حرف واحد : قوله (أَلا إِنَّ «٣» ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) فسألوه «٤» عن ذلك فقال :

قرئت فى الخفض «٥» من المجرى وقبيح أن يجتمع الحرف مرتين فى موضعين ثم يختلف ، فأجريته لقربه منه.

(١) سقط ما بين القوسين فى ا

(٢) الآية ٥٩ سورة الإسراء

(٣) الآية ٦٨ سورة هود

(٤) ا : «فسألته»

(٥) كذا فى الأصول. والأولى : «النصب»

٦٨

وقوله : كَفَرُوا رَبَّهُمْ [٦٨] جاء فى التفسير : كفروا نعمة ربهم. والعرب تقول : كفرتك.

وكفرت بك ، وشكرتك وشكرت بك وشكرت لك. وقال الكسائىّ : سمعت العرب تقول :

شكرت باللّه كقولهم : كفرت باللّه.

٦٩

وقوله : سَلاماً قالَ سَلامٌ [٦٩] قرأها «٦» يحيى ابن وثّاب وإبراهيم النخعىّ. وذكر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قرأ بها. وهو فى المعنى سلام كما قالوا حلّ وحلال ، وحرم وحرام لأن

(٦) وهى قراءة حمزة والكسائي

التفسير جاء : سلّموا عليه فردّ عليهم. فترى أن معنى سلّم وسلام واحد واللّه أعلم. وأنشدنى بعض العرب :

مررنا فقلنا إيه سلّم فسلّمت كما اكتلّ بالبرق الغمام اللوائح «١»

فهذا دليل على أنهم سلّموا فردّت عليهم. وقرأه العامّة (قالوا سلاما قال سلام) نصب الأول ورفع الثاني. ولو كانا جميعا رفعا ونصبا كان صوابا. فمن رفع أضمر (عليكم) وإن لم يظهرها كما قال الشاعر :

فقلنا السلام فاتّقت من أميرها فما كان إلّا ومؤها بالحواجب «٢»

و العرب تقول : التقينا فقلنا : سلام سلام. وحجّة أخرى فى رفعه الآخر «٣» أن القوم سلّموا ، فقال حين أنكرهم : هو سلام إن شاء اللّه فمن أنتم لإنكاره إيّاهم. وهو وجه حسن. ويقال فى هذا المعنى : نحن سلّم لأن التسليم لا يكون من قوم عدوّ. وقوله : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) أن فى موضع نصب توقع «٤» (لبث) عليها ، كأنّك قلت : فما أبطأ عن مجيئه بعجل : فلمّا ألقيت الصفة وقع الفعل عليها. وقد تكون رفعا تجعل لبث فعلا لأن كأنك قلت فما أبطأ مجيئه «٥» بعجل حنيذ : والحنيذ : ما حفرت له فى الأرض ثم غممته. وهو من فعل أهل البادية معروف. وهو محنوذ فى الأصل «٦» فقيل : حنيذ ، كما قيل : طبيخ للمطبوخ ، وقتيل للمقتول.

(١) إيه : طلب للحديث. واكتل الغمام : تبسم وهو تكشفه بضوء البرق

(٢) أميرها : الذي له عليها الولاية والأمر يريد زوجها ، ومؤها : إشارتها

(٣) ش : «الأخرى» أي الكلمة الأخيرة

(٤) ا : «بوقوع»

(٥) فى الأصول : «عن مجيئه» وهو سهو من الناسخ

(٦) ش : «الأرض»

٧٠

وقوله : فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ [٧٠] أي إلى الطعام. وذلك أنها كانت

سنّة فى زمانهم إذا ورد عليهم القوم فأتوا بالطعام فلم يمسّوه ظنّوا أنّهم عدوّ أو لصوص. فهناك أوجس فى نفسه خيفة فرأوا ذلك فى وجهه ، فقالوا : لا تخف ، فضحكت عند ذلك امرأته وكانت قائمة وهو قاعد (وكذلك هى فى قراءة عبد اللّه : وامرأته قائمة وهو قاعد) مثبتة «١» فضحكت فبشرت بعد الضحك. وإنما ضحكت سرورا بالأمن «٢» فأتبعوها البشرى بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب.

وقد يقول بعض المفسّرين : هذا مقدّم ومؤخّر. والمعنى فيه : فبشّرناها بإسحاق فضحكت بعد البشارة وهو ممّا قد يحتمله الكلام واللّه أعلم بصوابه. وأماقوله (فَضَحِكَتْ) : حاضت فلم نسمعه من ثقة وقوله (يعقوب) يرفع وينصب وكان حمزة ينوى به «٣» الخفض يريد : ومن وراء إسحاق بيعقوب.

ولا يجوز الخفض إلّا بإظهار الباء. ويعقوب هاهنا ولد الولد والنصب فى يعقوب بمنزلة قول الشاعر «٤»

جئنى بمثل بنى بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيّار

أو عامر بن طفيل فى مركّبه أو حارثا يوم نادى القوم يا حار

و أنشدنى بعض بنى باهلة :

لو جيت بالخبز له ميسّرا والبيض مطبوخا معا والسّكّرا «٥»

لم يرضه ذلك حتى يسكرا

(١) سقط ما بين القوسين فى ش [.....]

(٢) كذا فى ش. وفى الطبري : «بالأمن منهم لما قالوا لابراهيم : لا تخف «و فى ا : «بالأمر»

(٣) ا : «بها» أي بالكلمة

(٤) هو جرير والبيتان من قصيدة فى ديوانه يهجو فيها الأخطل وبين البيت الأول والثاني بيت فى الديوان ٢٤٢ وهو :

أو مثل آل زهير والقنا قيض والخيل فى رهج منها وإعصار

و قد ورد البيت الأول فى الكتاب لسيبوية ١/ ٤٨

(٥) فى الأصول : «بالخير» فى مكان «بالخبز» والظاهر ما أثبت

فنصب على قولك : وجئت بالسكّر ، فلمّا لم يظهر الفعل مع الواو نصب كما تأمر الرجل بالمرور على أخيه فتقول : أخاك أخاك تريد : امرر به.

٧٢

وقوله : يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [٧٢] وفى قراءة عبد اللّه (شيخ) فذكروا أنها كانت بنت ثمان وتسعين سنة ، وكان عليه السّلام أكبر منها بسنة. ويقال فى قوله (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ) البركات : السعادة.

٧٤

وقوله : فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [٧٤] ولم يقل : جادلنا. ومثله فى الكلام لا يأتى إلّا بفعل ماض كقولك. فلمّا أتانى أتيته. وقد يجوز فلمّا أتانى أثب عليه كأنه قال : أقبلت أثب عليه. وجداله إيّاهم أنه حين ذهب عنه الخوف قال : ما خطبكم أيّها المرسلون ، فلمّا أخبروه أنهم يريدون قوم لوط قال : أتهلكون قوما فيهم لوط قالوا : نحن أعلم بمن فيها.

٧٥

وقوله أَوَّاهٌ [٧٥] دعّاء ويقال : هو الذي يتأوّه من الذنوب. فإذا كانت من يتأوّه «٢» من الذنوب فهى من أوّه له وهى لغة فى بنى عامر أنشدنى أبو الجراح :

فأوّه من الذكرى إذا ما ذكرتها ومن بعد أرض بيننا وسماء

(٢) أي من هذا الفعل وفى ا : «ممن»

أوّه على فعّل يقول فى يفعل «١» : يتأوّه. ويجوز فى الكلام لمن قال : أوّه مقصورا «٢» أن يقول فى يتفعّل يتأوّى ولا يقولها بالهاء.

(١) يريد المضارع. والأولى : «يتفعل» كالذى بعده

(٢) ش : «مهموزا» ويريد بالقصر سكون الهاء وحبسها عن الحركة والهاء فى هذه الصيغة للسكت فلذلك جاء المضارع : يتأوى ، بخلاف الصيغة الأولى

٧٨

وقوله : هؤُلاءِ بَناتِي [٧٨] قال بعضهم : بنات نفسه. ويقال : بنات قومه. وذلك جائز فى العربيّة لأن اللّه عزّ وجل قال (النَّبِيُّ «١» أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وهو فى بعض القراءة (وهو أب لهم) فهذا من ذلك.

(١) الآية ٦ سورة الأحزاب

٨٠

وقوله : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ [٨٠] يقول : إلى عشيرة.

٨١

وقوله : فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ [٨١] قراءتنا من أسريت بنصب الألف وهمزها. وقراءة أهل «٣» المدينة (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) من سريت. وقوله : (بِقِطْعٍ) يقول : بظلمة من آخر الليل. وقوله : (إِلَّا امْرَأَتَكَ) منصوبة بالاستثناء : فأسر بأهلك إلا امرأتك. وقد كان الحسن يرفعها «٤» يعطفها على (أَحَدٌ) «٥» أي لا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك وليس فى قراءة عبد اللّه (وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) وقوله :

(إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).

لمّا أتوا لوطا أخبروه أن قومهم «٦» هالكون من غد فى الصبح ، فقال لهم لوط : الآن الآن.

فقالت الملائكة : أليس الصبح بقريب.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ا

(٤) كذا فى الأصول. والأولى : «قومه»

(٥) هى قراءة نافع وابن كثير وأبى جعفر

(٦) هى أيضا قراءة «ابن كثير وأبى عمرو»

٨٢

وقوله : مِنْ سِجِّيلٍ [٨٢] يقال : من طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الأرحاء (مَنْضُودٍ) يقول :

يتلو بعضه بعضا عليهم. فذلك نضده.

٨٣

وقوله : مُسَوَّمَةً [٨٣] زعموا أنها كانت مخطّطة بحمرة وسواد فى بياض ، فذلك تسويمها أي

علامتها «١». ثم قال (مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) يقول : من ظالمى أمّتك يا محمد. ويقال «٢» : ما هى من الظالمين يعنى قوم لوط الّذى لم يكن تخطئهم.

(١) ب : «علاماتها»

(٢) ا : «بل» [.....]

٨٤

وقوله : إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ [٨٤] يقول : كثيرة أموالكم فلا تنقصوا المكيال وأموالكم كثيرة يقال رخيصة أسعاركم (ويقال «٣») : مدّهنين «٤» حسنة سحنتكم.

(٣) سقط ما بين القوسين في ا

(٤) هذا الضبط من ا. والادهان استعمال الدهن أو التطلى به ، وكان المعنى من الأول فان الدهن علامة الخصب ، مقتضى الذي فى القاموس ضبطه : «مدهنين» بفتح الدال وتشديد الدال المفتوحة اسم مفعول من دهنه ، وهم الذين تظهر عليهم آثار النعيم

٨٦

وقوله : بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ [٨٦].

يقول : ما أبقى لكم من الحلال خير لكم ، ويقال بقيّة اللّه خير لكم أي مراقبة اللّه خير لكم.

وقوله : أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ويقرأ (أ صلاتك «٥» تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل [٨٧] معناه : أو تأمرك أن نترك أن تفعل (فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) فأن مردودة «٦» على (نترك).

وفيها وجه آخر تجعل الأمر كالنهى كأنه قال : أصلواتك تأمرك بذا وتنهانا عن ذا. وهى حينئذ مردودة على (أن) الأولى لا إضمار فيه كأنك قلت : تنهانا أن نفعل فى أموالنا ما نشاء كما تقول :

أضربك أن تسيئ كأنه قال : أنهاك بالضرب عن الإساءة. وتقرأ (أو أن نفعل فى أموالنا ما تشاء) و(نشاء) «٧» جميعا.

(٥) هى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف كما فى الإتحاف

(٦) يريد أنها متعلقة بنترك لا بتأمر

(٧) فى الكشاف أنها قراءة ابن أبى عبلة

و قوله : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) استهزاء منهم به.

٨٩

وقوله : لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي [٨٩].

يقول : لا تحملنكم عداوتى أن يصيبكم. وقد يكون : لا يكسبنكم. وقوله : (وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) يقول : إنما هلكوا بالأمس قريبا. ويقال : إن دارهم منكم قريبة وقريب.

٩٢

وقوله : أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا [٩٢] : رميتم بأمر اللّه وراء ظهوركم كما تقول : تعظّمون أمر رهطى وتتركون أن تعظّموا اللّه وتخافوه.

٩٣

وقوله : مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ [٩٣] (من) فى موضع رفع إذا جعلتها استفهاما. ترفعها بعائد ذكرها. وكذلكقوله (وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ) وإنما أدخلت العرب (هو) فى قوله (وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ) لأنهم لا يقولون : من قائم ولا من قاعد ، إنما كلامهم : من يقوم ومن قام أو من القائم ، فلمّا لم يقولوه لمعرفة أو لفعل أو يفعل أدخلوا هو مع قائم ليكونا جميعا فى مقام فعل ويفعل لأنهما يقومان مقام اثنين. وقد يجوز فى الشعر وأشباهه من قائم قال الشاعر»

:

من شارب مربح بالكأس نادمنى لا بالحصور ولا فيها بسوّار

و ربما تهيّبت العرب أن يستقبلوا من بنكرة فيخفضونها فيقولون : من رجل يتصدّق فيخفضونه على تأويل : هل من رجل يتصدّق. وقد أنشدونا هذا البيت خفضا ورفعا :

من رسول إلى الثريّا ثأنى ضقت ذرعا بهجرها والكتاب «٢»

(١) هو الأخطل. والحصور : البخيل الممسك. والسوار : الذي تسور الخمرة فى رأسه سريعا فهو يعربد ويثب على من يشاربه. ويروى : «و شارب». ويروى : «بسآر» والسآر : الذي يسئر فى الشراب أي يبقى منه

(٢) من أبيات لعمر بن أبى ربيعة وانظر الديوان ٤٣٠

و إن جعلتهما من ومن «١» فى موضع (الذي) نصبت كقوله (يعلم «٢» المفسد من المصلح) وكقوله (وَ لَمَّا يَعْلَمِ «٣» اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).

١٠٠

وقوله : مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ [١٠٠] فالحصيد كالزرع المحصود. ويقال : حصدهم بالسّيف كما يحصد الزرع.

١٠٥

وقوله : يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ [١٠٥] كتب بغير الياء وهو فى موضع رفع ، فإن أثبتّ فيه الياء إذا وصلت القراءة كان صوابا. وإن حذفتها فى القطع والوصل كان صوابا. قد قرأ بذلك «٤» القرّاء فمر حذفها. إذا وصل قال : الياء ساكنة ، وكلّ ياء أو واو تسكنان وما قبل الواو مضموم وما قبل الياء مكسور فإن العرب تحذفهما وتجتزئ بالضمة من الواو ، وبالكسرة من الياء وأنشد فى بعضهم :

كفّاك كفّ ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما «٥»

و من وصل بالياء وسكت بحذفها قال : هى إذا وصلت فى موضع رفع فأثبتها وهى إذا سكتّ عليها تسكن فحذفتها. كما قيل : لم يرم ولم يقض. ومثلهقوله : (ما كُنَّا «٦» نَبْغِ) كتبت بحذف الياء فالوجه فيها أن تثبت الياء إذا وصلت وتحذفها إذا وقفت. والوجه الآخر أن تحذفها فى القطع والوصل ، قرأ بذلك حمزة. وهو جائز.

(١) هما بدلان من الضمير فى (جعلتهما) يريد : (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ). وهذا مقابل قوله فيما سبق : «فى موضع إذا جعلتها استفهاما»

(٢) الآية ٢٢٠ سورة البقرة

(٣) الآية ١٤٢ سورة آل عمران

(٤) قرأ بإ الّتى فى (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) لاما دخلت على نيّة يمين فيها : فيما بين ما وصلتها كما تقول هذا من ليذهبنّ ، وعندى ما لغيره خير منه.

(١) شروع فى الجواب عن السؤال [.....]

(٢) سقط فى ا

(٣) زيادة من تفسير الطبري فى روايته لعبارة الفراء

(٤) سقط ما بين القوسين فى ا

(٥) الآية ٣ سورة النساء

و مثله (وَ إِنَّ «١» مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) وأما من شدّد (لمّا) فإنه - واللّه أعلم - أراد : لمن ما ليوفّينّهم ، فلمّا اجتمعت ثلاث «٢» ميمات حذف واحدة فبقيت اثنتان فأدغمت فى صاحبتها كما قال الشاعر :

و إنى لممّا أصدر الأمر وجهه إذا هو أعيا بالسبيل مصادره «٣»

ثم يخفّف «٤» كما قرأ بعض القراء (والبغي «٥» يعظكم) بحذف الياء (عند «٦» الياء) أنشدنى الكسائىّ :

و أشمتّ الغداة بنا فأضحوا لدىّ تباشرون بما لقينا

معناه (لدىّ «٧») يتباشرون فحذف لاجتماع الياءات ومثله :

كأنّ من آخرها القادم مخرم نجد قارع المخارم «٨»

أراد : إلى القادم فحذف اللام عند اللام. وأما من جعل (لمّا) بمنزلة إلّا فإنه وجه لا نعرفه وقد قالت العرب : باللّه لمّا قمت عنا ، وإلّا فمت عنا ، فأما فى الاستثناء فلم يقولوه فى شعر ولا غيره ألا ترى أنّ ذلك لو جاز لسمعت فى الكلام : ذهب الناس لمّا زيدا.

وأما الذين خفّفوا (إن) فإنهم نصبوا كلا ب (ليوفّينّهم) ، وقالوا : كأنّا قلنا : وإن ليوفّينّهم

(١) الآية ٧٢ سورة النساء

(٢) وذلك أن نون (من) تقلب ميما

(٣) «بالسبيل» كذا فى الأصول. وفى الطبري : «بالنهيل» ويبدو أنه الصواب. وعليه ففى العبارة قلب أي أعيا النبيل الحاذق بمصادره.

(٤) أي فى البيت فيروى : «و إنى لما» كما هو فى الطبري.

(٥) الآية ٩٠ سورة النحل

(٦) سقط ما بين القوسين فى ا

(٧) سقط ما بين القوسين فى ا

(٨) ورد فى اللسان فى (قدم). وقادم الرحل : الخشبة التي فى مقدم كور البعير بمنزلة قربوس السرج ومخرم الأكمة والجبل منقطعه ، وهى أفواه الفجاج. والفارع العالي.

كلّا. وهو وجه لا أشتهيه. لأن اللام إنما «١» يقع الفعل الذي بعدها على شىء قبله فلو رفعت كلّ لصلح ذلك كما يصلح أن تقول : إن زيد لقائم ولا يصلح أن تقول : إن زيدا لأضرب لأن تأويلها كقولك : ما زيدا إلّا أضرب فهذا خطأ فى إلّا وفى اللام.

وقرأ الزهرىّ (وإنّ كلّا لمّا ليوفّينّهم) ينوّنها فجعل اللمّ «٢» شديدا كما قال (وَ تَأْكُلُونَ «٣» التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا) فيكون فى الكلام بمنزلة قولك : وانّ كلا حقّا ليوفينّهم ، وإن كلا شديدا ليوفينّهم. وإذا عجّلت العرب باللام فى غير موضعها أعادوها إليه كقولك : إنّ زيدا لإليك لمحسن ، كان موقع اللام فى المحسن «٤» ، فلمّا أدخلت فى إليك أعيدت فى المحسن ومثله قول الشاعر :

و لو أنّ قومى لم يكونوا أعزّة لبعد لقد لاقيت لا بدّ مصرعا «٥»

أدخلها فى (بعد) وليس بموضعها ومثله قول أبى الجرّاح : إنى لبحمد اللّه لصالح.

(١) كذا فى الأصول. والمناسب : «لا» أو الأصل : «على شىء بعده» وقد يكون الأصل : «على شىء هو قبله» على كل شىء الفعل قبله. وراجع الطبري.

(٢) ا : «اللام» [.....]

(٣) الآية ١٩ سورة الفجر.

(٤) ا : «لمحسن»

(٥) فى الطبري : «مصرعى»

١١٤

وقوله : زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ [١١٤] بضمّ اللام تجعله واحدا مثل الحلم. والزلف جمع زلفة وزلف وهى قراءة العامّة وهى ساعة من الليل ومعناه : طرفى النهار وصلاة الليل المفروضة : المغرب والعشاء وصلاة الفجر ، وطرفى النهار : الظهر والعصر.

١١٦

وقوله : فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ [١١٦] يقول لم يكن منهم «٦» أحد كذلك إلّا قليلا أي هؤلاء كانوا ينهون فنجوا. وهو استثناء على الانقطاع ممّا قبله كما قال عزّ وجل (إِلَّا «٧» قَوْمَ يُونُسَ) ولو كان رفعا كان صوابا. وقوله : (وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ)

(٦) فى الأصول : «منكم» والمناسب ما أثبت

(٧) الآية ٩٨ سورة يونس.

بقول : اتّبعوا فى دنياهم ما عوّدوا من النعيم وإيثار اللذّات على أمر الآخرة. ويقال : اتّبعوا ذنوبهم وأعمالهم السّيّئة إلى النار.

١١٧

وقوله : وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ [١١٧].

يقول : لم يكن ليهلكهم وهم مصلحون فيكون ذلك ظلما. ويقال : لم يكن ليهلكهم وهم يتعاطون الحقّ فيما بينهم وإن كانوا مشركين والظلم الشرك.

١١٨

وقوله : وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ [١١٨] إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [١١٩] يقول : (لا يَزالُونَ) يعنى أهل الباطل (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) أهل الحقّ (وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يقول : للشقاء وللسعادة. ويقال :

(وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) : للاختلاف والرحمة.

١١٩

وقوله : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ [١١٩] : صار قوله عزّ وجلّ (وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) يمينا كما تقول : حلفى لأضربنّك ، وبدا لى لأضربنّك. وكلّ فعل كان تأويله كتأويل بلغني ، وقيل لى ، وانتهى إلىّ ، فإن اللام وأن تصلحان فيه. فتقول : قد بدا لى لأضربنّك ، وبد الى أن أضربك. فلو كان : وتمّت كلمة ربك أن يملأ جهنم كان صوابا وكذلك (ثُمَّ بَدا لَهُمْ «١» مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) ولو كان أن يسجنوه كان صوابا.

وقال : (وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ [١٢٠]) فى «٢» هذه السورة.

(١) الآية ٣٥ سورة يوسف

(٢) يذكر وجه تأنيث اسم الإشارة وأن المراد السورة

﴿ ٠