ومن سورة يوسف

قول اللّه عزّ وجلّ : بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ [٣]

(هذَا الْقُرْآنَ) منصوب بوقوع الفعل عليه. كأنك قلت : بوحينا «١» إليك هذا القرآن.

ولو خفضت (هذا) و(القرآن) كان صوابا : تجعل (هذا) مكرورا «٢» على (ما) تقول : مررت بما عندك متاعك تجعل المتاع مردودا على (ما) ومثله فى النحل : (وَ لا تَقُولُوا»

لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) و(الكذب) على ذلك.

وقوله : يا أبت «٤» لا تقف عليها بالهاء وأنت خافض لها فى الوصل لأن تلك الخفضة تدلّ على الإضافة إلى المتكلّم. ولو قرأ قارئ (يا أبت) لجاز (وكان «٥» الوقف على الهاء جائزا.

ولم يقرأ به أحد نعلمه. ولو قيل : يا أبت لجاز) الوقوف عليها (بالهاء «٦») من جهة ، ولم يجز من أخرى. فأما جواز الوقوف على الهاء فأن تجعل الفتحة فيها من النداء ولا تنوى أن تصلها بألف الندبة فكأنه كقول الشاعر «٧» :

كلينى لهمّ يا أميمة ناصب

و أمّا الوجه الذي لا يجوز الوقف على الهاء فأن تنوى : يا أبتاه ثم تحذف الهاء والألف لأنها فى النّيّة متّصلة بالألف كاتّصالها فى الخفض بالياء من المتكلّم.

وأماقوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) [٤] فإن العرب تجعل العدد ما بين أحد عشر

(١) لو أتى بمصدر (أَوْحَيْنا) لقال : «بإمحائنا» ولكنه أتى بمصدر الثلاثي إذ كان فى معنى الإيحاء.

(٢) يريد أن يكون بدلا.

(٣) الآية ١١٦ سورة النحل

(٤) قرأ بالخفض ابن كثير ويعقوب وهما يقفان بالهاء ، كما فى الإتحاف.

(٥) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٦) سقط ما بين القوسين فى ا ، ب.

(٧) هو النابغة. وعجزه :

و ليل أقاسيه بطيء الكواكب

و قد روى «أميمة» بالضم والفتح وهو يريد رواية الفتح وانظر مختار الشعر الجاهلى ١٥٣. [.....]

إلى تسعة عشر منصوبا فى خفضه ورفعه. وذلك أنهم جعلوا اسمين معروفين «١» واحدا ، فلم يضيفوا الأوّل إلى الثاني فيخرج من معنى العدد. ولم يرفعوا آخره فيكون بمنزلة بعلبكّ إذا رفعوا آخرها.

واستجازوا أن يضيفوا (بعل) إلى (بكّ) لأنّ هذا لا يعرف فيه الانفصال من ذا ، والخمسة تنفرد من العشرة والعشرة من الخمسة ، فجعلوهما بإعراب واحد لأن معناهما فى الأصل هذه عشرة وخمسة ، فلمّا عدلا عن جهتهما أعطيا إعرابا واحدا فى الصرف «٢» كما كان إعرابهما واحدا قبل أن يصرفا.

فأما«٣» نصب كوكب فإنه خرج مفسّرا للنوع من كل عدد ليعرف ما أخبرت عنه. وهو فى الكلام بمنزلة قولك : عندى كذا وكذا درهما. خرج الدرهم مفسرا لكذا وكذا لأنها واقعة على كلّ شىء. فإذا أدخلت فى أحد عشر الألف واللام أدخلتهما فى أوّلها فقلت : ما فعلت الخمسة عشر.

و يجوز ما فعلت الخمسة العشر ، فأدخلت عليهما الألف واللام مرّتين لتوهّمهم انفصال ذا من ذا فى حال.

فإن قلت : الخمسة العشر لم يجز لأن الأوّل غير الثاني ألا ترى أن قولهم : ما فعلت الخمسة الأثواب لمن أجازه تجد الخمسة هى الأثواب ولا تجد العشر الخمسة. فلذلك لم تصلح إضافته بألف ولام. وإن شئت أدخلت الألف واللام أيضا فى الدرهم الذي يخرج مفسرا فتقول : ما فعلت الخمسة العشر الدرهم «٤»؟. وإذا أضفت الخمسة العشر «٥» إلى نفسك رفعت الخمسة. فتقول : ما فعلت خمسة عشرى؟ : ورأيت خمسة عشرى ، (ومررت بخمسة «٦» عشرى) وإنما عرّبت الخمسة لإضافتك العشر ، فلمّا أضيف العشر إلى الياء منك لم يستقم للخمسة أن تضاف إليها وبينهما عشر فأضيفت إلى عشر لتصير اسما ، كما صار ما بعدها بالإضافة اسما. سمعتها من أبى فقعس الأسدى

(١) ش : «مرفوعين».

(٢) يريد صرفهما عن حالة الإفراد إلى التركيب.

(٣) ا : «و أما».

(٤) ا : «الدراهم».

(٥) ش ، ب : «العشر الدرهم».

(٦) سقط ما بين القوسين فى ا ، ش.

و أبى الهيثم العقيلىّ : ما فعلت خمسة عشرك؟ ولذلك لا يصلح للمفسر أن يصحبهما لأن إعرابيهما قد اختلفا. ب : اختلف ، وإنما يخرج الدرهم والكوكب مفسرا لهما جميعا كما يخرج الدرهم من عشرين مفسرا لكلّها. فإذا أضفت العشرين دخلت فى الأسماء وبطل عنها التفسير. فخطأ أن تقول :

ما فعلت عشروك درهما ، أو خمسة عشرك درهما. ومثله أنك تقول : مررت بضارب زيدا.

فإذا أضفت الضارب إلى غير زيد لم يصلح أن يقع على زيد أبدا.

ولو نويت بخمسة عشر أن تضيف الخمسة إلى عشر فى شعر لجاز ، فقلت : ما رأيت خمسة عشر قطّ «١» خيرا منها ، لأنك نويت الأسماء ولم تنو العدد. ولا يجوز للمفسّر أن يدخل هاهنا كما لم يجز فى الإضافة أنشدنى العكليّ أبو ثروان :

كلّف من عنائه وشقوته بنت ثمانى عشرة من حجّته «٢»

و من القرّاء «٣» من يسكّن العين من عشر «٤» فى هذا النوع كلّه «٥» ، إلّا اثنا عشر. وذلك أنهم استثقلوا كثرة الحركات ، ووجدوا الألف فى (اثنا) والياء فى (اثنى) ساكنة فكرهوا تسكين العين وإلى جنبها ساكن (ولا يجوز «٦» تسكين العين فى مؤنّث العدد لأن الشين من عشرة يسكن فلا يستقيم تسكين العين والشين معا).

وأماقوله (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) فإن هذه النون والواو إنما تكونان «٧» فى جمع ذكران الجنّ والإنس وما أشبههم. فيقال : الناس ساجدون ، والملائكة والجنّ ساجدون : فإذا عدوت هذا

(١) سقط فى ش وب.

(٢) فى مختصر الشواهد للعينى فى باب العدد أنه رجز لم يدر راجزه. وقيل : قاله نفيع بن طارق.

(٣) هو أبو جعفر كما فى الإتحاف.

(٤) ش ، ب : «عشرة».

(٥) سقط فى ا.

(٦) سقط ما بين القوسين فى ش.

(٧) ا : «يكون».

صار المؤنّث والمذكّر إلى التأنيث. فيقال : الكباش قد ذبّحن وذبّحت ومذبّحات. ولا يجوز مذبّحون. وإنما جاز فى الشمس والقمر والكواكب بالنون والياء لأنهم وصفوا بأفاعيل الآدميين (ألا ترى «١» أن السجود والركوع لا يكون إلّا من الآدميين فأخرج فعلهم على

 فعال الآدميّين) ومثله (وَ قالُوا «٢» لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) فكأنهم خاطبوا رجالا إذ كلّمتهم وكلّموها.

وكذلك (يا أَيُّهَا «٣» النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) فما أتاك مواقعا لفعل الآدميين من غيرهم أجريته على هذا.

[قوله ] «٤» (يا بُنَيَّ) و(يا بنىّ) «٥» لغتان ، كقولك : يا أبت ويا أبت لأن من نصب أراد النّدبة : يا أبتاه فحذفها.

وإذا تركت الهمزة من (الرؤيا) قالوا : الرّؤيا طلبا «٦» للهمزة. وإذا كان من شأنهم تحويل الهمزة : قالوا : لا تقصص ريّاك فى الكلام ، فأما فى القرآن فلا يجوز لمخالفة الكتاب. أنشدنى أبو الجرّاح :

لعرض م ن الأعراض يمسى حمامه ويضحى على أفنانه الغين يهتف

أحبّ إلى قلبى من الديك ريّة وباب إذا ما مال للغلق يصرف «٧»

أراد : رؤية ، فلمّا ترك الهمز وجاءت واو ساكنة بعدها ياء تحولتا ياء مشدّدة ، كما يقال : لويته ليّا وكويته كيّا والأصل كويا ولويا. وإن أشرت «٨» إلى الضمّة قلت : ريّا فرفعت الراء فجائز.

(١) سقط ما بين القوسين فى ا [.....]

(٢) الآية ٢١ سورة فصلت.

(٣) الآية ١٨ سورة النمل.

(٤) الفتح لحفص والكسر للباقين.

(٥) الفتح لحفص والكسر للباقين.

(٦) أي مراعاة لها كأنها موجودة ، ومن ثم تجب القلب والإدغام.

(٧) العرض : الوادي فيه شجر. والغين جمع الغيناء وهى الخضراء من الشجر وهو بدل من (أفنانه) و(يصرف) :

يصوت. وقوله : (رية) فى اللسان (عرض) : «رنة» ولا شاهد فيه.

(٨) هو ما يسمى فى كتب النحو بالإشمام وهو أن تأتى بحركة بين الضمة والكسرة.

و تكون هذه الضمّة مثل قوله (وَ حِيلَ «١») (وَ سِيقَ «٢») وزعم الكسائىّ أنه سمع أعرابيّا يقول (إِنْ كُنْتُمْ «٣» لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ).

(١) فى الآية ٥٤ سورة سبأ.

(٢) فى الآيتين ٧١ ، ٧٣ سورة الزمر.

(٣) الآية ٤٣ سورة يوسف. وقد ضبط «للريا» بكسر الراء وفقا لما ا. وفى اللسان (رأى) ضبط بضم الراء.

﴿ ١