ومن سورة الرعد

قول اللّه جلّ وعزّ : الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها «٢».

جاء فيه قولان. يقول : خلقها مرفوعة بلا عمد ، ترونها : لا تحتاجون مع الرؤية إلى خبر.

ويقال : خلقها بعمد لا ترونها ، لا ترون تلك العمد. والعرب قد تقدم الحجة من آخر الكلمة إلى أوّلها : يكون ذلك جائزا. أنشدنى بعضهم :

إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ فدعه وواكل حاله واللياليا

يجئن على ما كان من صالح به وإن كان فيما لا يرى الناس آليا «٣»

معناه وإن كان (فيما يرى «٤») الناس لا يألو. وقال الآخر :

و لا أراها تزال ظالمة تحدث لى نكبة وتنكؤها «٥»

و معناها : أراها لا تزال.

(١) فى الأصول : «كأنه» والمناسب ما أثبت.

(٢) ورد الشعر فى شواهد العيتى فى مبحث المفعول معه على هامش الخزانة ٣/ ٩٩ من غير عزو.

(٣) فى الأصول : «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت. [.....]

(٤) فى الأصول : «فيما لا يرى» والصواب ما أثبت.

(٥) هو إبراهيم بن هرمه.

١

وقوله قبل هذه الآية : وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ [١] فموضع (الذي) رفع تستأنفه على الحقّ ، وترفع كلّ واحد بصاحبه. وإن شئت جعلت (الذي) فى موضع خفض تريد : تلك

آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك من ربك فيكون خفضا ، ثم ترفع (الحقّ) أي ذلك الحق ، كقوله فى البقرة (وَ إِنَّ «١» فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فنرفع على إضمار ذلك الحقّ أو هو الحق. وإن شئت جعلت (الذي) خفضا فخفضت (الحقّ) فجعلته من صفة الذي ويكون (الذي) نعتا للكتاب مردودا عليه وإن كانت فيه الواو كما قال الشاعر :

إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة فى المزدحم «٢»

فعطف بالواو وهو يريد واحدا. ومثله فى الكلام : أتانا هذا الحديث عن أبى حفص والفاروق وأنت تريد عمر بن الخطّاب رحمه اللّه.

وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ [٣] أي بسط الأرض عرضا وطولا.

وقوله : (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الزوجان اثنان الذكر والأنثى والضربان. يبيّن ذلك قوله (وَ أَنَّهُ خَلَقَ «٣» الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ) فتبيّن أنهما اثنان بتفسير الذكر والأنثى لهما.

وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ [٤] يقول : فيها اختلاف وهى متجاورات : هذه طيّبة تنبت وهذه سبخة لا تخرج شيئا.

ثم قال : (وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ) فلك فى الزرع وما بعده الرفع. ولو خفضت كان صوابا. فمن رفع جعله مردودا على الجنّات ومن خفض جعله مردودا على الأعناب أي من أعناب ومن كذا وكذا.

وقوله : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) الرفع فيه سهل لأنه تفسير لحال النخل. والقراءة بالخفض «٤» ولو كان رفعا كان صوابا. تريد : منه صنوان ومنه غير صنوان. والصّنوان النّخلات يكون

(١) الآيتان ١٤٦ ، ١٤٧ سورة البقرة.

(٢) سبق هذا الشعر فى ص ١٠٥ من الجزء الأول.

(٣) الآية ٤٥ سورة النجم.

(٤) قرأ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب. وقرأ بالخفض غيرهم ، كما فى الإتحاف.

أصلهنّ واحدا. وجاء فى الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : إن عمّ الرجل صنو أبيه ثم قال : (تسقى بِماءٍ واحِدٍ) و(يُسْقى ) «١» فمن قال بالتاء ذهب إلى تأنيث الزروع والجنّات والنخل. ومن ذكّر ذهب إلى النبت : ذلك كلّه يسقى بماء واحد ، كلّه مختلف : حامض وحلو.

ففى هذه آية.

(١) هذه قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب.

﴿ ١