٩

وقوله فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [٩] جاء فيها أقاويل. حدثنا محمّد قال حدّثنا الفراء قال :

حدّثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس قال : كانوا إذا جاءهم الرسول قالوا له :

اسكت وأشاروا بأصابعهم إلى أفواه أنفسهم كما تسكّت أنت - قال : وأشار لنا الفراء بأصبعه السبّابة على فيه - ردّا عليهم وتكذيبا. وقال بعضهم : كانوا يكذّبونهم ويردّون القول بأيديهم إلى أفواه الرسل وأشار لنا الفراء هكذا بظهر كفه إلى من يخاطبه. قال : وأرانا ابن عبد اللّه الإشارة فى الوجهين (وأرانا «٤» الشيخ ابن العباس بالإشارة بالوجهين) وقال بعضهم : فردّوا

(٤) سقط ما بين القوسين فى ا

أيديهم فى أفواههم يقول ردّوا ما لو قبلوه لكان نعما وأيادى من اللّه فى أفواههم ، يقول بأفواههم أي بألسنتهم. وقد وجدنا من العرب من يجعل (فى) موضع الباء فيقول : أدخلك اللّه بالجنّة يريد :

فى الجنة. قال : وأنشدنى بعضهم :

و أرغب فيها عن لقيط ورهطه ولكنّنى عن سنبس لست أرغب

فقال : أرغب فيها يعنى بنتا له. أي إنى أرغب بها عن لقيط «١».

وقوله : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [١٣] قال (أَوْ لَتَعُودُنَّ) فجعل فيها لا ما كجواب اليمين وهى فى «٢» معنى شرط ، مثله من الكلام أن تقول : واللّه لأضربنّك أو تقرّ لى : فيكون معناه معنى حتّى أو إلّا ، إلا أنها جاءت بحرف نسق. فمن العرب من يجعل الشرط متبعا للذى قبله ، إن كانت فى الأول لام كان فى الثاني لام ، وإن كان الأول منصوبا أو مجزوما نسقوا عليه كقوله : (أَوْ لَتَعُودُنَّ) ومن العرب من ينصب ما بعد أو ليؤذن نصبه بالانقطاع عمّا قبله. وقال الشاعر «٣» :

لتقعدنّ مقعد القصىّ منّى ذى القاذورة المقلىّ

أو تحلفي بربّك العلىّ أنيّ أبو ذيّالك الصبىّ

فنصب (تحلفي) لأنه أراد : أن تحلفي. ولو قال أو لتحلفنّ كان صوابا ومثله قول امرئ القيس :

بكى صاحبى لمّا رأى الدرب دونه وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا «٤»

(١) فى الطبري بعده : «و لا أرغب بها عن قبيلتى» فأفاد أن الشاعر من سنبص. وسنبس حى من طىء.

(٢) سقط فى ا.

(٣) هو بعض العرب ، قدم من سفر فوجد امرأته قد ولدت غلاما فانكره. وانظر اللسان (ذا) فى حرف الألف اللينة فى أواخر الجزء العشرين وفى ب : «ليقعدن».

(٤) من قصيدة له قالها حين ذهب إلى قيصر. وانظر الديوان ص ٦٥ وما بعدها.

فقلت له لا تبك عينك إما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

فنصب آخره ورفع (نحاول) على معنى إلّا أو حتى. وفى إحدى القراءتين : (تقاتلونهم «١» أو يسلموا) والمعنى - واللّه أعلم - تقاتلونهم حتى يسلموا. وقال الشاعر «٢» :

لا أستطيع نزوعا عن مودّتها أو يصنع الحبّ بي غير الذي صنعا

و أنت قائل فى الكلام : لست لأبى إن لم أقتلك أو تسبقنى فى الأرض فتنصب (تسبقنى) وتجزمها. كأنّ الجزم فى جوازه : لست لأبى إن لم يكن أحد هذين ، والنصب على أنّ آخره منقطع عن أوّله كما قالوا : لا يسعنى شىء ويضيق عنك ، فلم يصلح أن تردّ (لا) على (ويضيق) فعلم أنها منقطعة من معناها. كذلك قول العرب : لو تركت والأسد لأكلك لمّا جاءت الواو تردّ اسما على اسم قبله ، وقبح أن تردّ الفعل الذي رفع الأوّل على الثاني نصب ألا ترى أنك لا تقول لو تركت وترك الأسد لأكلك. فمن هاهنا أتاه النصب. وجاز الرفع لأن الواو حرف نسق معروف فجاز فيه الوجهان للعلّتين.

(١) الآية ١٦ سورة الفتح. وهذه القراءة فى قراءة أبى وزيد بن على كما فى البحر ٨/ ٩٤. وهى من القراءات الشاذة.

(٢) هو الأحوص.

﴿ ٩