٥٨

و قوله : لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [٥٨] (الموئل «١» المنجى) وهو الملجأ فى المعنى واحد.

والعرب تقول : إنه ليوائل إلى موضعه يريدون : بذهب إلى موضعه وحرزه.

وقال الشاعر :

لا وألت نفسك خلّيتها للعامريّين ولم تكلم «٢»

(يريد «٣» : لا نجت).

وقوله : لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً [٥٩] يقول : لإهلاكنا إيّاهم (مَوْعِداً) أجلا وقرأ «٤» عاصم (لمهلكهم) فتح الميم واللام ويجوز (لمهلكهم) بكسر اللام تبنيه على هلك يهلك. فمن أراد الاسم «٥» ممّا يفعل منه مكسور العين كسر مفعلا.

ومن أراد المصدر فتح العين. مثل المضرب والمضرب والمدبّ والمدبّ والمفرّ المفرّ فإذا كان يفعل مفتوح العين آثرت العرب فتحها فى مفعل ، اسما كان أو مصدرا. وربما كسروا العين فى مفعل إذا أرادوا به الاسم. منهم من قال (مَجْمَعَ «٦» الْبَحْرَيْنِ) وهو القياس «٧» وإن كان قليلا.

فإذا كان يفعل مضموم العين مثل يدخل ويخرج آثرت العرب فى الاسم منه والمصدر فتح العين إلا أحرفا من الأسماء ألزموها كسر العين فى مفعل. من ذلك المسجد والمطلع والمغرب والمشرق والمسقط والمفرق والمجزر والمسكن والمرفق من رفق يرفق والمنسك من نسك ينسك ، والمنبت.

(١) فى ا فى مكان ما بين القوسين : «منجى مقصور».

(٢) وردفى اللسان (وأل) وفيه ا : «واءلت».

(٣) فى ا : «يقول : لا نجت نفسك».

(٤) أي فى رواية أبى بكر أما فى رواية حفص فيفتح الميم وكسر اللام والباقون بضم الميم وفتح اللام

(٥) أي اسم الزمان والمكان.

(٦) ورد فى الآية ٦٠ سورة الكهف. وقرأ بكسر الميم الضحاك وعبد اللّه بن مسلم كما فى البحر ٦/ ١٤٤.

(٧) كذا وكأنه يريد بالقياس أن الأصل الفرق بين المصدر والاسم فالفتح للمصدر والكسر للاسم فهذا هو القياس فى الأصل ، ولكن خولف فى بعض المواطن.

فجعلوا الكسر علامة للاسم ، والفتح علامة للمصدر. وربما فتحه بعض العرب (فى الاسم «١») وقد قرئ مسكن «٢» ومسكن. وقد سمعنا المسجد والمسجد وهم يريدون الاسم ، والمطلع والمطلع.

والنصب فى كلّه جائز وإن لم تسمعه فلا تنكرنه إن أتى.

وما كان من ذوات الياء والواو من دعوت وقضيت فالمفعل منه فيه مفتوح اسما كان أو مصدرا ، إلا المأقى من العين فإن العرب كسرت هذا الحرف. وبعض العرب يسمّى مأوى الإبل مأوى فهذان نادران. وإنما امتنعوا من (كسر «٣» العين) فى الياء والواو لأن الياء والواو تذهبان فى السكت للتنوين الذي يلحق ، فردّوها إلى الألف إذ كانت لا تسقط فى السكوت.

وإذا كان المفعل من كال يكيل وشبهه من الفعل فالاسم منه مكسور ، والمصدر مفتوح من ذلك مال مميلا ومما لا تذهب بالكسر إلى الأسماء ، وبالفتح إلى المصادر. ولو فتحتهما جميعا أو كسرتهما فى المصدر والاسم لجاز. تقول العرب : المعاش. وقد قالوا : المعيش. وقال رؤبة ابن العجّاج :

إليك أشكو شدّة المعيش ١٠٦ ا ومرّ أعوام نتفن ريشى

نتف الحبارى عن قرا رهيش «٤» القرا : الظهر ، وقال الآخر :

أنا الرجل الذي قد عبتموه وما فيكم لعيّاب معاب «٥»

(١) سقط فى ا.

(٢) ورد فى الآية ١٥ سورة سبأ «لقد كان سبأ. فى مسكنهم آية جنتان» قرأ بفتح الكاف حفص وحمزة ، وقرأ بكسرها الكسائي وخلف. [.....]

(٣) ا : «الكسر».

(٤) الرهيش من الإبل : المهزولة.

(٥) ورد البيت فى اللسان والتاج (عيب). وفيهما : «فيه» فى مكان «فيكم». وكأن المعنى هنا أنكم ليس عندكم شىء تعابون به إذ إن العيب يكون للاديم الصحيح ، فأما الأديم الفاسد فلا مجال للعيب فيه.

و مثله مسار ومسير ، وما كان يشبهه فهو مثله.

وإذا كان يفعل مفتوحا من ذوات الياء والواو مثل يخاف ويهاب فالاسم والمصدر منه مفتوحان مثل المخاف والمهاب :

و ما كان من الواو مضموما مثل يقوم ويقول ويعود ويقود وأشباهه فالاسم والمصدر فيه «١» مفتوحان ، وإنما فتحوه إذا نووا الاسم ولم يكسروه كما كسر المغرب لأنهم كرهوا تحول الواو إلى الياء فتلتبس الواو بالياء.

وما كان أوّله واوا مثل وزنت وورثت ووجلت فالمفعل فيه اسما كان أو مصدرا مكسور مثل قوله لَّنْ

«٢»جْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) وكذلك يوحل ويوجل المفعل منهما مكسور (فى الوجهين «٣») وزعم الكسائىّ أنه سمع موجل وموحل. قال الفراء : وسمعت أنا موضع. وإنما كسروا ما أوّله الواو ، لأن الفعل فيه إذا فتح يكون على وجهين. فأما الذي يقع «٤» فالواو منه ساقطة مثل وزن يزن. والذي لا يقع «٥» تثبت «٦» واوه فى يفعل. والمصادر تستوى فى الواقع وغير الواقع. فلم يجعلوا فى مصدريهما فرقا «٧» ، إنما تكون الفروق فى فعل يفعل.

وما كان من الهمز فإنه مفتوح فى الوجهين. وكأنهم بنوه على يفعل لأن ما لامه همزة يأتى بفتح العين من فعل ومن فعل.

فإن قلت : فلو «٨» كسروه إرادة الاسم كما كسروا مجمعا «٩» قلت :

(١) ا : «منه».

(٢) الآية ٤٨ سورة الكهف.

(٣) سقط فى ا. ويريد الاسم والمصدر.

(٤) يريد الكوفيون بالفعل الواقع المتعدى ، وبالذي لا يقع اللازم.

(٥) يريد الكوفيون بالفعل الواقع المتعدى ، وبالذي لا يقع اللازم.

(٦) مثل وجل يوجل.

(٧) كأنه يريد أنه لو أريد الفرق لكان المصدر من وزن الموزن بكسر العين ، ومن وجل الموجل بفتحها. «و قد يقال : هلا استويا فى فتح العين ، كما هو الأصل فى المصدر.

(٨) جواب لو محذوف أي فماذا يكون مثلا.

(٩) ش ، ب : «مجمع» على حكاية الرفع.

لم يأت. وكأنهم أنزلوا المهموز. بمنزلة الياء والواو لأن الهمز قد يترك فتلحقهما «١».

وما كان مفعل مشتقّا من أفعلت فلك فيه ضمّ الميم من اسمه ومصدره. ولك أن تخرجه على أوّليته قبل أن تزاد عليه «٢» الألف. فتقول : أخرجته مخرجا ومخرجا ، وأنزلته منزلا ومنزلا.

وقرئ (أَنْزِلْنِي «٣» مُنْزَلًا «٤» مُبارَكاً) (وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) و(مُنْزَلًا «٥»).

وما كان ممّا يعمل به من الآلة مثل «٦» المروحة والمطرقة وأشباه ذلك مما تكون فيه الهاء «٧» أو لا تكون فهو مكسور الميم منصوب العين مثل المدرع والملحف والمطرق وأشباه ذلك. إلا أنهم. قالوا : المطهرة والمطهرة ، والمرقاة والمرقاة والمسقاة والمسقاة. فمن كسرها شبّهها بالآلة التي يعمل بها. ومن فتح قال : هذا موضع يفعل فيه فجعله مخالفا ففتح «٨» الميم ألا ترى أن المروحة وأشباهها آلة يعمل بها ، وأن المطهرة والمرقاة فى موضعهما لا تزولان يعمل «٩» فيهما.

وما كان مصدرا مؤنّثا فإنّ العرب قد ترفع عينه مثل المقدرة وأشباهه «١٠». ولا يفعلون ذلك فى مذكّر ليست فيه الهاء لأن الهاء إذا أدخلت «١١» سقط عنها بناء فعل يفعل فصارت اسما مختلفا ، ومفعل يبنى على يفعل ، فاجتنوا الرّفعة فى مفعل ، لأن خلقة يفعل التي يلزمها الضمّ كرم يكرم فكرهوا «١٢» أن يلزموا العين من ١٠٦ ب مفعل ضمّة فيظنّ الجاهل أن فى مفعل فرقا يلزم كما يلزم فعل يفعل الفروق ، ففتحت إرادة أن تخلط بمصادر الواقع. فأما قول الشاعر :

(١) أي تدركهما فى الحكم ، وهو فتح العين فى المفعل.

(٢) ا : «عليها» أي على أوليته. [.....]

(٣) الآية ٢٩ سورة المؤمنين.

(٤ ، ٥) قراءة فتح الميم لأبى بكر ، وقراءة الضم للباقين.

(٦) ا : «نحو».

(٧) ا : «و».

(٨) ا : «بفتح».

(٩) ا : «بفعل».

(١٠) ا : «أشباهها».

(١١) ا : «دخلت».

(١٢) ا : «فتركوا».

ليوم روع أو فعال مكرم «١»

فإنه جمع مكرمة ومكرم. ومثله قول الآخر «٢» :

بثين الزمى لا إنّه إن لزمته على كثرة الواشين أىّ معون

أراد جمع معونة. وكان الكسائي يقول : هما مفعل نادران «٣» لا يقاس عليهما وقد ذهب مذهبا. إلّا أنى أجد الوجه الأول أجمل للعربية ممّا قال. وقد تقلب فيه الياء إلى الواو فيقال :

و كنت إذا جارى دعا لمضوفة أشمّر حتى ينصف الساق مئزرى «٤»

جعلها مفعلة وهى من الياء فقلبها إلى الواو لضمّة ما قبلها ، كما قالوا : قد سور به.

وقد قالت العرب فى أحرف فضمّوا الميم والعين ، وكسروا الميم والعين جميعا. فممّا ضمّوا عينه وميمه قولهم : مكحلة ومسعط ومدهن ومدقّ. ومما «٥» كسروا ميمه وعينه منخر ومنتن.

ومما زادوا عليه ياء للكسر ، وواوا للضم مسكين ومنديل ومنطيق. والواو نحو مغفور ومغثور وهو الذي يسقط على الثمام ويقال «٦» للمنخر : منخور وهم «٧» طيّىء. والذين ضمّوا أوله وعينه شبّهوا الميم بما هو من الأصل ، كأنه فعلول. وكذلك الذين كسروا الميم والعين شبّهوه بفعليل وفعلل.

(١) هو لأبى الأخزر الحماني : وقبله :

مروان مروان أخو اليوم اليمى

و انظر شرح شواهد الشافية للبغدادى ٦٨

(٢) هو جميل. وانظر المرجع السابق ٦٨

(٣) ا : «نادرتان».

(٤) هو لأبى جندب الهذلي. والمضوفة : الأمر يشفق منه ويخاف ، وانظر ديوان الهذليين ٣/ ٩٢

(٥) ا : «ما». [.....]

(٦) ا : «تقول».

(٧) يريد أصحاب هذه اللغة.

و ما كان من ميم زائدة أدخلتها على فعل رباعى قد زيد على ثلاثيّه شىء من الزيادات فالميم منه فى الفاعل والمفعول به والمصدر مضمومة. من ذلك قولك رجل مستضرب (ومستضرب «١») ومستطعم ومستطعم.

يكون المستطعم - بالفتح - مصدرا ورجلا وكذلك المضارب هو الفاعل والمضارب - بالفتح - مصدر ورجل. وكلّ الزيادات على هذا لا ينكسر ، ولا يختلف فيه فى لغات ولا غيرها إلا أن من العرب - وهم قليل - من يقول فى المتكبّر : متكبّر كأنهم بنوه عل يتكبّر. وهو من لغة الأنصار.

وليس مما يبنى عليه. قال الفراء : وحدّثت أن بعض العرب يكسر الميم فى هذا النوع إذا أدغم فيقول هم المطّوّعة والمسّمع المستمع. وهم من الأنصار. وهى من المرفوض. وقالت العرب : موهب فجعلوه اسما موضوعا على غير بناء ، وموكل «٢» اسما موضوعا. ومنه موحد لأنهم لم يريدوا مصدر وحد ، إنما جعل اسما فى معنى واحد مثل مثنى وثلاث ورباع. وأما قولهم : مزيد ومزود فهما أيضا اسمان مختلفان على غير بناء الفعل ولك فى الاختلاف أن تفتح ما سبيله الكسر إذا أشبه بعض المثل ، وتضمّ المفتوح أو تكسره إذا وجّهته «٣» إلى مثال من أسمائهم كما قيل معفور للدى يسقط على الثمام وميمه زائدة فشبه «٤» بفعلول ، وكما قالت العرب (فى المصير وهو «٥» من صرت مصران للجميع) ومسيل الماء وهو مفعل : مسلان للجميع فشبّهوا مفعلا بفعيل ألا ترى أنهم قالوا سؤته مسائية وإنما هى مساءة على مفعلة فزيدت عليها الياء من آخرها كما تزاد على فعالة نحو كراهة وكراهية وطبانة «٦» وطبانية.

(١) سقط فى ا.

(٢) هو اسم حصن أو جبل.

(٣) ا : «واجهته».

(٤) ا : «فيشبه».

(٥) فى ش : «مصير وهو من صرت فجمعوه مصران».

(٦) الطبانة والطبانية «الفطنة» وفى هامش ا : «رجل طبن أي فطين».

﴿ ٥٨