٤وقوله : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً [٤] ثم قال (فظلّت) ولم يقل (فتظللّ) كما قال (ننزل) وذلك صواب : أن تعطف على مجزوم الجزاء بفعل لأنّ الجزاء يصلح فى موضع فعل يفعل ، وفى موضع يفعل فعل ، ألا ترى أنك تقول : إن زرتنى زرتك وإن تزرنى أزرك والمعنى واحد. فلذلك صلح قوله (فَظَلَّتْ) مردودة على يفعل ، وكذلك قوله (تَبارَكَ «٤» الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ) ثم قال (وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) فردّ يفعل على فعل وهو بمنزلة ردّه (فظلّت) على (ننزّل) وكذلك جواب الجزاء يلقى يفعل بفعل ، وفعل بيفعل كقولك : (إن قمت أقم ، وإن تقم قمت. وأحسن الكلام أن تجعل جواب يفعل بمثلها ، وفعل بمثلها كقولك : إن تتجر تربح ، أحسن من أن تقول : إن تتجر ربحت. وكذلك إن تجرت ربجت أحسن من أن تقول : إن تجرت تربح. وهما جائزان. قال اللّه (مَنْ كانَ «٥» يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ) فقال (نُوَفِّ) وهى جواب لكان. وقال الشاعر «٦» : إن يسمعوا سبّة طاروا بها فرحا منى وما يسمعوا من صالح دفنوا فردّ الجواب بفعل وقبله يفعل قال الفراء «٧» : إن يسمعوا سبّة على مثال غيّة). (٤) الآية ١٠ سورة الفرقان. (٥) الآية ١٥ سورة هود. (٦) هو قعنب بن أم صاحب. وقوله : «سبة» فى ش «سيئة» مخفف سيئة. (٧) سقط ما بين القوسين في ش وسية مخفف سيئة. وقوله : فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [٤] والفعل للأعناق فيقول القائل : كيف لم يقل : خاضعة : وفى ذلك وجوه كلّها صواب. أوّلها أن مجاهدا جعل الأعناق : الرجال الكبراء. فكانت الأعناق هاهنا بمنزلة قولك : ظلّت رءوسهم رءوس القوم وكبراؤهم لها خاضعين للآية «١». والوجه الآخر أن تجعل الأعناق الطوائف ، كما تقول : رأيت الناس إلى فلان عنقا واحدة فتجعل الأعناق الطّوائف والعصب وأحبّ إليّ من هذين الوجهين فى العربيّة أن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون فجعلت الفعل أوّلا للأعناق ثم جعلت (خاضِعِينَ) للرجال كما قال الشاعر : على قبضة موجوءة ظهر كفّه فلا المرء مستحى ولا هو طاعم «٢» فأنّث فعل الظهر لأن الكف تجمع الظهر وتكفى منه : كما أنك تكتفى بأن تقول : خضعت لك رقبتى ألا ترى أن العرب تقول : كلّ ذى عين ناظر وناظرة إليك لأن قولك : نظرت إليك عينى ونظرت إليك بمعنى واحد فترك (كلّ) وله الفعل وردّ إلى العين. فلو قلت : فظلّت أعناقهم لها خاضعة كان صوابا. وقد قال الكسائىّ : هذا بمنزلة قول الشاعر : ترى أرباقهم متقلّديها إذا صدىء الحديد على الكماة «٣» و لا يشبه هذا ذلك لأن الفعل فى المتقلّدين قد عاد بذكر الأرباق فصلح ذلك لعودة الذكر. ومثل هذا قولك : ما زالت يدك باسطها لأن الفعل منك على اليد واقع فلا بدّ من عودة ذكر الذي فى أول الكلام. ولو كانت فظلت أعناقهم لها خاضعيها كان هذا البيت حجّة له. فإذا أوقعت الفعل على الاسم ثم أضفته فلا تكتف بفعل المضاف إلا أن يوافق فعل الأول كقولك ما زالت يد عبد اللّه منفقا ومنفقة فهذا من الموافق ١٣٣ ب لأنك تقول يده منفقة وهو منفق ولا يجوز كانت يده باسطا لأنه باسط لليد واليد مبسوطة ، فالفعل مختلف ، لا يكفى فعل ذا من ذا ، فإن أعدت ذكر اليد صلح فقلت : ما زالت يده باسطها. (١) هذا تفسير قوله : «لها». [.....] (٢) سبق هذا البيت فى ١٨٧ من الجزء الأول. وفيه «مرجوة» فى مكان «موجوءة». (٣) الأرباق جمع الربق وهو حبل فيه عدة عرا يشد فيها صغار الشاء لئلا ترضع. والكماة : الشجعان |
﴿ ٤ ﴾