ومن سورة الممتحنة١قوله عز وجل : تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (١) دخول الباء فى : المودة ، وسقوطها سواء ، هذا بمنزلة قولك : أظن أنك قائم ، وأظن [بأنك ] «٥» قائم ، وأريد بأن تذهب ، وأريد بأن تقوم. وقد قال اللّه جلّ وعز : «وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ» «٦» فأدخل الباء ، والمعنى : ومن يرد فيه إلحادا. أنشدنى أبو الجراح : فلمّا رجت بالشّرب هزّلها العصا شحيح له عند الإزاء نهيم «٧» (٥) سقط فى ح. (٦) سورة الحج الآية : ٢٥. (٧) الإزاء : مصب الماء فى الحوض ، أو حجر أو جلد أو جله يوضع على فم الحوض. والنهيم : صوت يشبه الأنثيين. معناه : فلما رجت أن تشرب. ونزلت هذه السورة فى حاطب بن أبى بلتعة ، لما أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه أن يغزو أهل مكة ، قدمت عليه امرأة من موالى بنى المطلب ، فوصلها المسلمون ، فلما أرادت الرجوع أتاها حاطب بن أبى بلتعة ، فقال : إنى معطيك عشرة دنانير ، وكاسيك بردا على أن تبلغى أهل مكة كتابا ، فكتب معها ، ومضت تريد مكة ، فنزل جبريل على النبي صلّى اللّه عليهما «١» بالخبر ، فأرسل عليّا والزبير فى إثرها ، فقال : إن دفعت إليكما الكتاب [وإلا فاضربا] «٢» [١٩٧/ ا] عنقها فلحقاها ، فقالت : تنحيا عنى ، فإنى أعلم أنكما لن تصدقانى حتى تفتشانى ، قال : فاخذت الكتاب ، فجعلته بين قرنين من قرونها ، ففتشاها ، فلم يريا شيئا ، فانصرفا راجعين ، فقال على للزبير : ماذا صنعنا؟ يخبرنا «٣» رسول اللّه أن معها كتابا ونصدقها؟ فكرّا عليها «٤» ، فقالا : لتخرجنّ كتابك «٥» أو لنضربن عنقك ، فلما رأت الجد أخرجت الكتاب. وكان فيه : من حاطب بن أبى بلتعة إلى أهل مكة : أما بعد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه يريد أن يغزوكم ، فخذوا حذركم مع أشياء كتب «٦» بها ، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه بحاطب ، فأقرّ له ، وقال : حملنى على ذلك أن أهلى بمكة وليس من أصحابك [أحد] «٧» إلا وله «٨» بمكة من يذب عن أهله ، فأحببت أن أتقرّب إليهم ليحفظونى فى عيالى ، ولقد علمت أن لن ينفعهم كتابى ، وأن اللّه بالغ فيهم أمره ، فقال عمر بن الخطاب : دعنى فأضرب عنقه ، قال : فسكت النبي صلّى اللّه عليه ، ثم قال : وما يدريك لعل اللّه قد «٩» نظر إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. قال الفراء : حدثنى بهذا حبان بإسناده. (١) فى ب : فنزل جبريل صلّى اللّه عليه على النبي صلّى اللّه عليه. [.....] (٢) التكملة من ح. (٣) سقط فى ح. (٤) كذا فى ح ، وفى (ا) عليه ، تحريف. (٥) فى ش : الكتاب. (٦) فى ش : كنت وهو تصحيف. (٧) زيادة من ش يتطلبها الأسلوب. (٨) فى ش : له. (٩) فى ا : لعل اللّه نظر. و قوله : تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (١). من صلة الأولياء ، كقولك : لا تتخذنّه رجلا تلقى «١» إليه كلّ ما عندك. (١) فى ش : يلقى. وقوله : يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا (١). إن آمنتم ولإن آمنتم ، ثم قال عز وجل : «إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي» (١) فلا تتخذوهم أولياء. ٣وقوله : يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ (٣). قرأها يحيى بن وثاب : يفصّل. «٢» بينكم ، قال : وكذلك يقرأ أبو زكريا ، وقرأها عاصم والحسن يفصل «٣» ، وقرأها أهل المدينة : يفصل. (٢) فى ش : يفصّل ، وفى ب ، ح : يفصّل. (٣) قرا نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر : يفصّل. مبنيا للمفعول. وقرأ ابن عامر : يفصّل بالصاد مشددة مبنيا للمفعول. وقرأ عاصم ويعقوب : يفصل : بفتح الياء ، وإسكان الفاء وكسر الصاد مخففة مبنيا للفاعل. وقرأ حمزة والكسائي وخلف : يفصّل ، بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد المشددة مبينا للفاعل. (الاتحاف ٤١٤). ٤وقوله قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (٤). يعنى حاطبا ، «فِيهِمْ» فى إبراهيم. يقول : فى فعل إبراهيم ، والذين معه إذ تبروءا من قومهم. يقول : ألا تأسيت يا حاطب بإبراهيم فتبرأ من أهلك كما برىء إبراهيم؟ ثم قال : «إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ» أي : قد كانت لكم أسوة فى أفاعيلهم إلّا فى قول إبراهيم : لأستغفرن فإنه ليس لكم فيه أسوة. وقوله : رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا (٤). أي : فقولوا هذا القول أنتم ، ويقال : إنه من قيل «٣» إبراهيم عليه السلام وقومه. (٣) فى ح : من قبل ، تحريف. ٥وقوله : إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ (٤). إن تركت الهمز من برآء أشرت إليه بصدرك ، فقلت : براء. «٤» وقال «٥» الفراء : مدّة ، وإشارة إلى الهمز ، وليس يضبط إلّا بالسمع ، (٤) كذا فى ح ، وفى غيرها برا ، والأول الوجه ، ففى اللسان : حكى الفراء فى جمعه (برى ء) : براء غير مصروف على حذف إحدى الهمزتين. وفى المحتسب (٢ : ٣١٩) بعد أن أورد قول الحارث بن حلزة : فإنا من حربهم لبراء قال الفراء : أراد برآء ، فحذف الهمزة التي هى لام تخفيفا ، فأخذ هذا الموضع من أبى الحسن فى قوله : إن أشياء أصلها أشيياء ، ومذهبه هذا يوجب ترك صرف براء ، لأنها عنده همزة التأنيث. (٥) فى ش : قال. [ولم «١» يجرها «٢»]. ومن العرب من يقول : إنا براء منكم ، فيجرى ، ولو قرئت كذلك كان وجها. (١ ، ٢) مقدمه على : وقال الفراء. [.....] وقوله «٤» : لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً (٥). لا تظهرنّ علينا الكفار فيروا أنهم على حق ، وأنّا على باطل. (٤) فى ب : قوله. ٧وقوله : عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً (٧). يقول : عسى أن ترجع عدواة بينكم إلى المودة ، فتزوج النبي صلّى اللّه عليه أمّ حبيبة بنت أبى سفيان ، فكانت المصاهرة مودة. ٨وقوله : لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ (٨). هؤلاء خزاعة كانوا عاقدوا النبي صلّى اللّه عليه ألا [١٩٧/ ب ] يقاتلوه ، ولا يخرجوه ، فأمر النبي صلّى اللّه عليه ببرهم ، والوفاء لهم إلى مدة أجلهم ، ثم قال : «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ «٥» قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ» (٩) أن تنصروهم ، يعنى الباقين من أهل مكة. (٥) فى الأصل «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ .. أَنْ تَوَلَّوْهُمْ» ١٠وقوله : إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ (١٠). يعنى : فاستحلفوهن ، وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه لما صالح أهل مكة بالحديبية فلما ختم الكتاب خرجت إليه سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة ، فجاء زوجها فقال : ردّها علىّ فإن ذلك فى الشرط لنا عليك ، وهذه طينة الكتاب لم تجفف ، فنزلت هذه الآية «فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ» (١٠) فاستحلفها رسول اللّه صلّى اللّه عليه : ما أخرجك إلينا إلا الحرص على الإسلام «١» والرغبة فيه «٢» ، ولا أخرجك حدث أحدثته ، ولا بغض لزوجك ، فحلفت ، وأعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه زوجها مهرها ، ونزل التنزيل : «وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (١٠) من كانت له امرأة بمكة أبت أن تسلم فقد انقطعت العصمة فيما بينها وبين زوجها ، ومن خرج إلى المسلمين من نسائهم مسلمة ، فقد انقطعت عصمتها من زوجها الكافر ، وللمسلمين أن يتزوجوها بغير عدة. (١ ، ٢) زيادة فى ح. وقوله : وَسْئَلُوا «٣» ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا «٤» ما أَنْفَقُوا (١٠). يقول : اسألوا «٥» أهل مكة أن يردوا عليكم مهور النساء اللاتي يخرجن إليهم منكم مرتدات «٦» ، وليسألوا مهور من خرج إليكم من نسائهم. (٣) فى ا ، ب : وسلوا. (٤) فى ب : وليسلوا ، ولا نعرف قراءة بالتخفيف فى الكلمتين. (٥) فى ب ، ح : سلوا. (٦) فى ش : من ندات وهو تحريف ، وفيها : وليسألوكم. وقوله : وَلا تُمْسِكُوا (١٠). قرأها يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة مخففة ، وقرأها الحسن : تمسّكوا «٧» ، ومعناه متقارب. والعرب تقول : أمسكت بك ، ومسكت بك ، وتمسّكت بك «٨». (٧) زاد فى ب ، ح ، ش : وقرأها بعضهم تمسكوا ، وضبطت تمسكوا بضبط قراءة الحسن ، وهو تكرار. (٨) فى ش : به. ١١وقوله : وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ (١١) أعجزكم. وهى فى قراءة عبد اللّه : «و إن فاتكم أحد من أزواجكم» ، وأحد يصلح فى موضع - شىء ، وشىء يصلح فى موضع أحد «٩» فى الناس ، فإذا كانت شىء فى غير الناس ، لم يصلح أحد فى موضعها. (٩) سقط فى ح ، ش. وقوله : وَإِنْ فاتَكُمْ (١١) : يقول : أعجزكم إن ذهبت امرأة فلحقت بأهل مكة كافرة ، وليس بينكم وبينهم عهد فعاقبتم ، يقول : فغنمتم ، فأعطوا زوجها مهرها من الغنيمة قبل الخمس. [حدثنا محمد بن الجهم ] «١» حدثنا الفراء قال : حدثنى قيس بن الربيع عن الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق أنه قرأ : «فَعاقَبْتُمْ» ، وفسرها : فغنمتم ، وقرأها «٢» حميد الأعرج : فعقّبتم مشددة «٣» ، وهى كقولك : تصعّر ، وتصاعر فى حروف قد أنبأتك بها فى تآخى «٤» : فعلت ، وفاعلت. (١) زيادة فى ب. (٢) فى ش : فقرأها. (٣) وهى قراءة علقمة والنخعي (تفسير القرطبي ١٨/ ٦٩). [.....] (٤) فى ش : أتاخى ، تحريف. ١٢وقوله : وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ (١٢). قرأها السّلمى وحده : ولا يقتّلن «٥» أولادهن ، وذكر أن النبي صلّى اللّه عليه لما افتتح مكة قعد على الصفا وإلى جنبه عمر ، فجاءه النساء يبايعنه وفيهن هند بنت «٦» عتبة ، فلما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه : «لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً» يقول : لا تعبدن «٧» الأوثان ، ولا تسرقن ، ولا تزنين. قالت هند : وهل تزنى الحرة؟ قال : فضحك عمر ، ثم قال : لا ، لعمرى «٨» ما تزنى الحرة. قال : فلما قال «٩» : لا تقتلن أولادكن «١٠» ، هذا فيما كان أهل الجاهلية يئدون ، فبويعوا على ألا يفعلوا ، فقالت هند : قد ربيناهم صغارا ، وقتلتموهم كبارا «١١». (٥) وهى قراءة على والحسن أيضا (انظر البحر المحيط ٨/ ٢٥٨). (٦) فى ش : ابنة. (٧) فى ش : لا تعبدون ، تحريف. (٨) سقط فى ح ، ش. (٩) فى ش : ولا. (١٠) فى ح : أولادهن. (١١) انظر نصّ هذه المراجعة فى (تفسير القرطبي : ١٨/ ٧٣). وقوله : وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ (١٢). كانت المرأة تلتقط المولود ، فتقول لزوجها : هذا ولدي منك. فذلك البهتان المفترى [١٩٨/ ا]. ١٣وقوله : لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ (١٣). يقول : من نعيم الآخرة وثوابها ، كما يئس الكفار من أهل «١٢» القبور ، يقول : علموا ألا نعيم لهم فى الدنيا ، وقد ماتوا ودخلوا القبور. ويقال : كما يئس الكفار من أصحاب القبور : من ثواب الآخرة ونعيمها. (١٢) فى ح : أصحاب. |
﴿ ٠ ﴾