ومن سورة المدّثّر١قوله تبارك وتعالى : يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١). يعنى : المتدثر بثيابه لينام. ٢وقوله عز وجل : قُمْ فَأَنْذِرْ (٢). يريد : قم فصلّ ، ومر بالصلاة. ٤وقوله تبارك وتعالى : وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤). يقول : لا تكن غادرا فتدنس ثيابك ، فإن الغادر دنس الثياب ، ويقال : وثيابك فطهر ، وعملك فأصلح. وقال بعضهم : وثيابك فطهر : قصر «٤» ، فإن تقصير الثياب طهرة «٥». فقوله عز وجل : وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥). كسره «٦» عاصم والأعمش والحسن ، ورفعه السلمى ومجاهد وأهل المدينة فقرءوا : «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» و فسر مجاهد : والرجز : الأوثان ، وفسره الكلبي : الرجز : العذاب ، ونرى أنهما لغتان ، وأن المعنى فيهما [١١٢/ ا] واحد. (٤) فى ش : فقصر (٥) الطهرة : اسم من التطهير وفى ح ، ش طهر (٦) كسره : يريد راء الرجز ، والرفع أيضا وهى قراءة حفص وأبى جعفر ويعقوب ، وافقهم ابن محيصن والحسن. (الإتحاف ٤٢٧). ٦وقوله عز وجل : وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦). يقول : لا تعط فى الدنيا شيئا لتصيب أكثر منه ، وهى فى قراءة عبد اللّه : «و لا تمنن أن تستكثر» فهذا شاهد على الرفع فى «تَسْتَكْثِرُ» ولو جزمه جازم على هذا المعنى كان صوابا «١» ، والرفع وجه القراءة والعمل. (١) الجزم قراءة الحسن. المحتسب : ٢ : ٢٣٧. ٨وقوله عز وجل : فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨). يقال : إنها أول النفختين. ١١وقوله عز وجل : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١). [الوحيد «٢»] فيه وجهان ، قال بعضهم : ذرنى ومن خلقته وحدي ، وقال آخرون : خلقته وحده لا مال له ولا بنين ، وهو أجمع الوجهين. (٢) التكملة من ح ، ش. [.....] ١٢وقوله تبارك وتعالى : وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (١٢) : قال الكلبي : العروض والذهب والفضة ، [حدثنا أبو العباس قال : » ] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : وحدثنى قيس عن إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد فى قوله : (وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً) ، قال : ألف دينار ، ونرى أن الممدود جعل غاية للعدد لأن الألف غاية العدد ، يرجع فى أول العدد من الألف. ومثله قول العرب : لك على ألف أقدع ، أي : غاية العدد. ١٣وقوله : وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) كان له عشرة بنين لا يغيبون عن عينيه «٤» فى تجارة ولا عمل ، والوحيد : الوليد بن المغيرة المخزومي. (٤) فى ب : عينه. ١٨وقوله : إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨). (٣) الزيادة من ش. فذكروا أنه جمع رؤساء أهل مكة فقال : إن الموسم قددنا ، وقد فشا أمر هذا الرجل فى الناس ، ما أنتم قائلون فيه للناس؟ قالوا : نقول : مجنون. قال : إذا يؤتى فيكلّم ، فيرى عاقلا صحيحا ، فيكذبوكم ، قالوا : نقول : شاعر. قال : فهم عرب قد رووا الأشعار وعرفوها ، وكلام محمد لا يشبه الشّعر ، قالوا : نقول : كاهن ، قال : فقد عرفوا الكهنة [١١٢/ ب ] ، وسألوهم ، وهم لا يقولون : يكون كذا وكذا إن شاء اللّه ، ومحمد لا يقول لكم شيئا إلا قال : إن شاء اللّه ، ثم قام ، فقالوا : صبأ الوليد. يريدون أسلم الوليد. فقال ابن أخيه أبو جهل : أنا أكفيكم أمره ، فأتاه فقال : إن قريشا تزعم أنك قد صبوت «١» وهم يريدون : أن يجمعوا لك مالا يكفيك مما تريد أن تأكل من فضول أصحاب محمد - صلّى اللّه عليه - فقال : ويحك! واللّه ما يشبعون ، فكيف ألتمس فضولهم مع أنى أكثر قريش مالا؟ ولكني فكرت فى أمر محمد «٢» - صلّى اللّه عليه - ، وماذا نرد على العرب إذا سألتنا ، فقد عزمت على أن أقول : ساحر. فهذا تفسير قوله : «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ» القول فى محمد صلّى اللّه عليه. (١) كذا فى النسخ ، كأنه ملت وفتنت. (٢) فى ح ، ش : فى محمد. ١٩وقوله : فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩). قتل «٣» أي : لعن ، وكذلك : «قاتَلَهُمُ اللَّهُ «٤»» و«قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ «٥»» ، ذكر أنهن اللعن. (٣) التكملة من ح ، ش. (٤) سورة التوبة الآية : ٣٠. (٥) سورة عبس الآية : ١٧. ٢١وقوله : ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢). ذكروا : أنه مرّ على طائفة من المسلمين فى المسجد الحرام ، فقالوا : هل لك إلى الإسلام يا أبا المغيرة؟ فقال : ما صاحبكم إلّا ساحر ، وما قوله إلّا السحر تعلّمه من مسيلمة الكذاب ، ومن سحرة بابل ، ثم قال «٦» : ولّى عنهم مستكبرا قد عبس وجهه وبسر : كلح مستكبرا عن «٧» (٦) فى ب : قال ثم. (٧) فى ش : على. الإيمان ، فذلك قوله : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) يأثره «١» عن «٢» أهل بابل. قال اللّه جل وعز : سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦). وهى اسم من أسماء جهنم ، فلذلك لم يجز ، وكذلك «لَظى ». (١) سقط فى ح. (٢) فى ش على ، تحريف. ٢٩وقوله : لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩). مردود على سقر بنية التكرير ، كما قال : «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [١١٣/ ا] فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ «٣»» وكما قال فى قراءة عبد اللّه : «وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً «٤»» ولو كان «لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ» كان صوابا. كما قال : «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ» (٣٦). وفى قراءة أبى : «نذير للبشر» وكل صواب. (٣) سورة البروج الآية ١٦. (٤) سورة هود الآية : ٧٢. وقوله : لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩). تسوّد البشرة بإحراقها. ٣٠وقوله : عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠). فإن العرب تنصب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر فى الخفض والرفع ، ومنهم من يخفف العين فى تسعة عشر ، فيجزم العين فى الذّكران ، ولا يخففها فى : ثلاث عشرة إلى تسع عشرة «٥» لأنهم إنما خفضوا فى المذكر لكثرة الحركات. فأما المؤنث ، فإن الشين من عشرة ساكنة ، فلم يخففوا العين منها فيلتقى ساكنان. وكذلك : اثنا عشر فى الذكران لا يخفف العين «٦» لأن الألف من : اثنا عشر ساكنة فلا يسكن بعدها آخر فيلتقى ساكنان ، وقد قال بعض كفار أهل مكة وهو أبو جهل : وما تسعة عشر؟ الرجل منا يطبق «٧» الواحد فيكفه عن الناس. وقال رجل من بنى جمح (٥) فى ش : تسعة عشر ، تحريف. [.....] (٦) فى ش : لا يخفف. (٧) سقط فى ش. كان يكنى : أبا الأشدين «١» : أنا أكفيكم سبعة عشر ، واكفوني اثنين فأنزل اللّه : «وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً» (٣١) ، أي : فمن يطيق الملائكة؟ ثم قال : «وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ» فى القلة «إِلَّا فِتْنَةً» (٣١) على الذين كفروا ليقولوا ما قالوا ، ثم قال : «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» (٣١) يقينا إلى يقينهم لأنّ عدة الخزنة لجهنم فى كتابهم : تسعة عشر ، «وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً» (٣١) لأنها فى كتاب أهل الكتاب كذلك. (١) كذا فى النسخ ، وفى الكشاف (٢ : ٥٠٤) : أبو الأشد بن أسعد بن كلدة الجمحي ، وكان شديد البطش ٣٣وقوله : وَاللَّيْلِ [١١٣/ ا] إِذْ أَدْبَرَ (٣٣). قرأها ابن عباس : «و الليل [١١٣/ ا] إذا دبر» ومجاهد وبعض أهل المدينة كذلك «٢» وقرأها كثير من الناس «وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ» : [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال : «٣»] حدثنا الفراء قال : حدثنى بذلك محمد بن الفضل عن عطاء عن أبى عبد الرحمن عن زيد أنه قرأها : «وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ» وهى فى قراءة عبد اللّه : «و الليل إذا أدبر». وقرأها الحسن كذلك : «إذا أدبر» كقول عبد اللّه. [حدثنا أبو العباس قال حدثنا «٤» محمد] قال حدثنا الفراء قال : وحدثنى «٥» قيس عن على بن الأقمر عن رجل - لا أعلمه إلّا الأغر - عن ابن عباس أنه قرأ : «و الليل إذا دبر». وقال : إنما أدبر ظهر البعير [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد «٦»] قال حدثنا الفراء قال : و حدثنا قيس عن على بن الأقمر عن أبى عطية عن عبد اللّه بن مسعود أنه قرأ «أَدْبَرَ» [قال الفراء : ما أرى أبا عطية إلّا الوادعي بل هو هو ، وقال الفراء : ليس فى حديث قيس إذ ، ولا أراهما إلا لغتين «٧»]. يقال : دبر النهار والشتاء والصيف وأدبر. وكذلك : قبل وأقبل ، فإذا قالوا : أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بألف ، وإنهما فى المعنى عندى لواحد ، لا أبعد أن يأتى فى الرجل ما أتى فى الأزمنة. (٢) فى الإتحاف (٤٢٧). اختلف فى «و الليل إذا أدبر» ، فنافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف بإسكان الذال ظرفا لما مضى من الزمان ، أدبر بهمزة مفتوحة ، ودال ساكنة على وزن أكرم ، وافقهم ابن محيصن والحسن. والباقون بفتح الذال ظرفا لما يستقبل ، وبفتح دال دبر على وزن ضرب. لغتان بمعنى ، يقال : دبر الليل وأدبر. (٣ ، ٤) ما بين الحاصرتين زيادة من ش. (٥) فى ش : حدثنى. (٦ ، ٧) ما بين الحاصرتين من ح ، ش ، والعبارة فى ب مضطربة وبها سقط. ٣٥وقوله عز وجل : إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥). الهاء «٦» كناية عن جهنم. (٦) سقط فى ش. ٣٦و قوله : نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦). كان بعض النحويين يقول : إن نصبت قوله : «نذيرا» من أول السورة يا محمد قم نذيرا للبشر «١» ، وليس ذلك بشىء واللّه أعلم لأنّ الكلام قد حدث بينهما شىء منه كثير ، ورفعه فى قراءة أبىّ ينفى هذا المعنى. ونصبه «٢» من قوله : «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ نَذِيراً» تقطعه من المعرفة لأن «إحدى الكبر» معرفة فقطعته منه ، ويكون نصبه على أن تجعل النذير إنذارا من قوله : «لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [١١٣/ ب ]» (٢٨) لواحة [تخبر بهذا عن جهنم إنذارا «٣»] للبشر ، والنذير قد يكون بمعنى : الإنذار. قال اللّه تبارك وتعالى : «كَيْفَ نَذِيرِ «٤»» و«فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ «٥»» يريد : إنذارى ، وإنكاري. (١) كذا فى النسخ ، وفى العبارة غموض ، يوضحه قول الكشاف عن المراد بها : «و قيل : هو متصل بأول السورة ، يعنى : قم نذيرا ، وهو من بدع التفاسير». الكشاف : ٢ : ٥٠٥ ، ويمكن أن يقدر جواب إن. (٢) كذا فى ش ، وفى غيرها : نصبها. ولفظ ش : أنسب. (٣) ما بين الحاصرتين زيادة من ح ، ش. (٤) سورة الملك الآية : ١٧ فى الأصل «فكيف كان نذير». (٥) سورة الملك الآية : ١٨ ، واجتزأ فى ح بلفظ (نكير). ٣٩وقوله : إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩). قال الكلبي : هم أهل «٧» الجنة [حدثنا أبو العباس قال «٨»] حدثنا الفراء قال : وحدثنى «٩» الفضيل بن عياض عن منصور «١٠» بن المعتمر عن المنهال رفعه إلى على قال : «إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ» قال : هم الولدان ، وهو شبيه بالصواب لأن الولدان لم يكتسبوا ما يرتهنون به وفى قوله : «يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ» (٤٢) ما يقوى أنهم الولدان لأنهم لم يعرفوا الذنوب ، فسألوا : «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ». (٧) فى ش : أصحاب. [.....] (٨) زيادة فى ش. (٩) فى ش : حدثنى. (١٠) المنصور بن المعتمر هو أبو عتاب السلمى الكوفي ، عرض القرآن على الأعمش ، وروى عن إبراهيم النخعي ، ومجاهد. وعرض عليه حمزة ، وروى عنه سفيان الثوري وشعبة ت ١٣٣ (طبقات القراء ٢/ ٣١٤). ٥٠و قوله : كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠). قرأها عاصم والأعمش : «مُسْتَنْفِرَةٌ» بالكسر ، وقرأها أهل الحجاز «مُسْتَنْفِرَةٌ» بفتح «١» الفاء «٢» وهما جميعا كثيرتان فى كلام العرب ، قال الشاعر «٣» : أمسك حمارك إنّه مستنفر فى إثر أحمرة عمدن لغرّب و القسورة يقال : إنها الرماة ، وقال الكلبي بإسناده : هو الأسد. [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال «٤»] حدثنا الفراء قال : «٥» حدثنى أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق أبى سفيان الثوري عن عكرمة قال : قيل له : القسورة ، الأسد بلسان الحبشة ، فقال : القسورة ، الرماة ، والأسد بلسان الحبشة : عنبسة. (١) سقط فى ش. (٢) قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر بفتح الفاء ، أي : منفرة مذعورة (الإتحاف : ٤٢٧). (٣) غرب : جبل دون الشام فى بلاد بنى كلب ، وعنده عين ماء يقال لها : الغربّه والغربّه ، وقد أورد القرطبي البيت - فى تفسيره - ولم ينسبه (١٩/ ٨٩) ، ورواية البحر المحيط : عهدن العرب ، تحريف (البحر المحيط ٨/ ٣٨٠) (٤) الزيادة من ش. (٥) سقط فى ش : حدثنى. ٥٢وقوله : بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢). قالت كفار قريش للنبى صلّى اللّه عليه [١١٤/ ا] : كان الرجل يذنب فى بنى إسرائيل ، فيصبح ذنبه مكتوبا فى رقعة ، فما بالنا لا نرى ذلك؟ فقال اللّه عز وجل : «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً». ٥٤وقوله : إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤). يعنى هذا القرآن ، ولو قيل : «إِنَّها تَذْكِرَةٌ «٦»» لكان صوابا ، كما قال فى عبس ، فمن قال : (إنها) أراد السورة ، ومن قال : (إنه) أراد القرآن. (٦) الآية : ١١. |
﴿ ٠ ﴾