ومن سورة الشمس وضحاها

١

و قوله عز وجل : وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) ضحاها : نهارها ، وكذلك قوله : «وَ الضُّحى «١»» هو النهار كله بكسر «٢» الضحى : من ضحاها ، وكل الآيات التي تشاكلها ، وإن كان أصل بعضها بالواو.

من ذلك : تلاها ، وصحاها ، ودحاها لما ابتدئت السورة بحروف الياء والكسر اتّبعها ما هو من الواو ، ولو كان الابتداء للواو «٣» لجاز فتح ذلك كله. وكان حمزة يفتح ما كان من الواو ، ويكسر ما كان من الياء ، وذلك من قلة البصر بمجارى كلام العرب ، فإذا انفرد جنس الواو فتحته ، وإذا انفرد جنس الياء ، فأنت فيه بالخيار إن فتحت وإن كسرت فصواب.

(١) سورة الضحى : الآية : ١.

(٢) فى ش : تكسر ، والمراد تميل ألف الضحى.

(٣) سقط فى ش.

٢

وقوله عز وجل : وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) قال الفراء : أنا أكسر كلّا [١٣٩/ ا] ، يريد اتبعها يعنى اتبع «٤» الشمس ، ويقال : إذا تلاها فأخذ من ضوئها ، وأنت قائل فى الكلام : اتبعت قول أبى حنيفة ، وأخذت بقول أبى حنيفة ، والاتباع والتلوّ سواء.

(٤) فى ش : يعنى : الشمس.

٣

وقوله عز وجل : وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (٣) :

جلّى الظلمة ، فجاز الكناية عن الظلمة ولم تذكر لأنّ معناها معروف ، ألا ترى أنك تقول :

أصبحت باردة ، وأمست باردة ، وهبت شمالا ، فكنى عن مؤنثات لم يجر لهن ذكر لأن معناها «٥» معروف.

(٥) فى ش : معناهن.

٨

وقوله عز وجل : فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) عرفها سبيل الخير ، وسبيل الشر ، وهو مثل قوله : «وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ «٦»».

 (٦) سورة البلد الآية : ١٠.

٩

و قوله عز وجل : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) يقول : قد أفلحت نفس زكّاها اللّه ، وقد خابت نفس دسّاها ، ويقال : قد أفلح من زكّى نفسه بالطاعة والصدقة ، وقد خاب من دسّى نفسه ، فأخملها بترك الصدقة والطاعة ، ونرى - واللّه أعلم - أنّ دساها من : دسّست ، بدّلت بعض سيناتها ياء ، كما قالوا : تظنيت من : الظن ، وتقضيت يريدون :

تقضضت من : تقضّض [البازي ، ] «١» وخرجت أتلعّى : ألتمس اللّعاع أرعاه. والعرب تبدل فى المشدد الحرف منه بالياء «٢» والواو «٣» من ذلك ما ذكرنا لك ، وسمعت بعض بنى عقيل ينشد :

يشبو بها نشجانه [من النشيج «٤»] هذا «٥» آخر بيت ، يريد : [يشب ] «٦» : يظهر ، يقال : الخمار الأسود [يشب ] «٧» لون [البيضاء] «٨» فجعلها واوا ، وقد سمعته فى غير ذلك ، ويقال : دويّه وداويّه ، ويقال : أما فلان فصالح وأيما ، ومن ذلك قولهم : دينار أصله دنّار ، يدل على ذلك جمعهم إياه دنانير ، ولم يقولوا : ديانير ، وديوان كان أصله : دوّان لجمعهم إياه : دواوين [١٣٩/ ب ] ، وديباج : ديابيج ، وقيراط : قراريط ، كأنه كان قرّاط ، ونرى أن دسّاها دسسها لأن البخيل يخفى منزله وماله ، وأن الآخر يبرز منزله على الأشراف والروابي ، لئلا يستتر عن الضيفان ، ومن أراده ، وكل صواب.

(١) سقط فى ش ، واللعاع ، كغراب : نبت ناعم فى أول ما يبدو. وفى النسخ بالياء والصواب بدون باء.

(٢ ، ٣) فى ش بالواو ومن.

(٤) سقط فى ش : من النشيج.

(٥) فى ش : وهذا.

(٦ ، ٨) سقط فى ش.

(٧) فى اللسان : وشب لون المرأة خمار أسود لبسته أي : زاد فى بياضها ولونها فحسّنها لأنّ الضدّ يزيد فى ضده ويبدى ما خفى منه (وانظر ناج العروس).

١١

وقوله : بِطَغْواها (١١) أراد بطغيانها إلّا أن الطغوى أشكل برءوس الآيات فاختير لذلك. ألا ترى أنه قال :

«وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ «٩».» ومعناه آخر دعائهم ، وكذلك «دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ «١٠»» ودعاؤهم فيها هذا.

(٩ ، ١٠) سورة يونس الآية : ١٠.

١٢

و قوله عز وجل : إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) يقال : إنهما كانا اثنين فلان ابن دهر ، والآخر قدار «١» ، ولم يقل : أشقياها ، وذلك جائز لو أتى لأن العرب إذا [أضافت ] «٢» أفعل التي يمدحون بها وتدخل فيها (من) إلى أسماء وحدوها فى موضع الاثنين والمؤنث والجمع ، فيقولون للاثنين : هذان أفضل الناس ، وهذان خير الناس ، ويثنون أيضا ، أنشدنى فى تثنيته أبو القمقام الأسدى :

أ لا بكر النّاعى بخيرى بنى أسد بعمرو بن مسعود ، وبالسّيّد الصّمد

فإن تسلونى بالبيان فإنّه أبو معقل لا حىّ عنه ، ولا حدد «٣»

قال الفراء : أي لا يكفى عنه حىّ ، أي لا يقال : حىّ على فلان سواه ، ولا حدد : أي لا يحد عنه لا يحرم ، وأنشدنى آخر فى التوحيد ، وهو يلوم ابنين له :

يا أخبث الناس كل الناس قد علموا لو تستطيعان كنّا مثل معضاد «٤»

فوحّد ، ولم يقل : يا أخبثى ، وكل صواب ، ومن وحّد فى الإثنين قال فى الأنثى أيضا :

هى أشقى القوم ، ومن ثنى قال : هى شقيا النسوة على فعلى.

وأنشدنى المفضل الضبي :

غبقتك عظماها سناما أو انبرى برزقك براق المتون أريب «٥»

(١) هو قدار بن سالف. [.....]

(٢) سقط فى ش.

(٣) ورد البيت الأول فى الصحاح (خير) منسوبا إلى سيرة ابن عمرو الأسدى ، وفى الأغانى : ١٩ : ٨٨ إلى نادبة بنى أسد. والمقصود بالسيد الصمد : خالد بن نضلة ، وكان هو وعمرو بن مسعود نديمين للمنذر بن السماء ، فراجعاه بعض القول على سكره ، فغضب ، فأمر بقتلهما.

(٤) المعضاد من السيوف : الممتهن فى قطع الشجر ... وهو كذلك سيف يكون مع القصابين تقطع به العظام (اللسان).

(٥) حلب عظمى نوقه سناما فسقاه لبنها عشيا.

١٣

و قوله عز وجل : فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ (١٣) نصبت الناقة على التحذير حذرهم إياها ، وكل تحذير فهو نصب [١٤٠/ ا] ولو رفع على «٦» ضمير : هذه ناقة اللّه ، فإن العرب قد ترفعه ، وفيه معنى التحذير ، ألا ترى أن «٧» العرب تقول : هذا

 (٦) سقط فى ش.

(٧) فى ش : ألا ترى العرب نقول.

العدوّ هذا العدوّ فاهربوا ، وفيه تحذير ، وهذا الليل فارتحلوا ، فلو قرأ «١» قارئ بالرفع كان مصيبا أنشدنى بعضهم :

إن قوما منهم عمير وأشباه عمير ومنهم السّفّاح

لجديرون بالوفاء إذا قا ل أخو النجدة : السلاح السلاح «٢»

فرفع ، وفيه الأمر بلباس السلاح.

(١) فى ش : قرأها.

(٢) ورد البيتان فى الجزء الأول من معانى القرآن ١/ ١٨٨ وفى الخصائص : لابن جنى ٣/ ١٠٢ ، والدرر اللوامع : ١ : ١٤٦ ، ولم ينسبا إلى قائلهما.

١٤

وقوله عز وجل : فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها (١٤).

يقول القائل : كيف كذبوه فعقروها؟ ونرى أن الكلام أن يقال : فعقروها فكذبوه ، فيكون التكذيب بعد العقر. وقد يكون على ما ظنّ ، لأنك تقول : قتلوا رسولهم فكذبوه ، أي : كفى بالقتل تكذيبا ، فهذا وجه ، ويكون فكذبوه كلمة مكتفى بها ، ويكون قوله :

(فعقروها) جوابا لقوله : (إذ انبعث أشقاها) ، فعقروها. وكذلك جاء التفسير. ويكون مقدما ومؤخرا لأن العقر وقع بالتكذيب ، وإذا وقع الفعلان معا جاز تقديم أيهما شئت. من ذلك :

أعطيت فأحسنت ، وإن قلت : أحسنت فأعطيت كان بذلك المعنى لأن الإعطاء هو الإحسان ، والإحسان هو الإعطاء ، كذلك العقر : هو التكذيب. فقدمت ما شئت وأخرت الآخر.

ويقول القائل : كيف قال : فكذبوه ولم يكذبوه قبل ذلك إذ رضوا بأن يكون للناقة شرب ولهم شرب فجاء فى التفسير : أنهم كانوا أقرّوا بهذا غير مصدقين له :

و قوله عز وجل : فَدَمْدَمَ (١٤). أرجف بهم. «فَسَوَّاها» (١٤) عليهم.

ويقال : فسوّاها : سوّى الأمة ، أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوّى بينهم.

١٥

وقوله عز وجل : وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥).

أهل المدينة يقرءون : «فلا يخاف عقباها «٣»» بالفاء ، وكذلك هى فى مصاحفهم ، وأهل

 (٣) سقط فى ش.

الكوفة «١» والبصرة : «وَ لا يَخافُ عُقْباها» بالواو «٢» والواو فى التفسير أجود [١٤٠/ ب ] لأنه جاء :

عقرها ولم يخف عاقبة عقرها ، فالواو هاهنا أجود ، ويقال : لا يخاف عقباها. لا يخاف اللّه أن ترجع وتعقب بعد إهلاكه ، فالفاء بهذا المعنى أجود من الواو وكل صواب.

(١) فى ش : وأهل البصرة.

(٢) قرأ نافع وابن عامر : فلا بالفاء. والباقون بالواو.

روى ابن وهب ، وابن القاسم عن مالك قالا : أخرج إلينا مالك مصحفا لجده ، وزعم : أنه كتبه فى أيام عثمان ابن عفان حين كتب المصاحف ، وفيه : «وَ لا يَخافُ» بالواو ، وكذا هى فى مصاحف أهل مكة والعراقيين بالواو ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اتباعا لمصاحفهم (القرطبي : ٢٠/ ٨٠).

﴿ ٠