١١

وقوله عز وجل { يوصيكم اللّه في أولادكم } أي يفرض عليكم كما قال { ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه الا بالحق ذلكم وصاكم به }

ثم قال تعالى { للذكر مثل حظ الانثيين } خلافا على أهل الجاهلية لانهم كانوا لا يورثون الاناث

وقوله عز وجل { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } ولم يسم للاثنتين شيئا ففي هذا أقوال

أ  منها أنه قيل ان فوقا ههنا زائدة وأن المعنى فان كن نساء اثنتين كما قال { فاضربوا فوق الأعناق }

ب  وقيل أعطي الاثنتان الثلثين بدليل لا بنص لان اللّه عز وجل جعل هذه الاشياء يدل بعضها على بعض ليتفقه لها المسلمون والدليل أنه جعل فرض الاخوات والاخوة للام اذا كن اثنتين أو أكثر واحدا فقال عز وجل { وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث }

ج  ودليل آخر أنه جعل فرض الاخت كفرض البنت فلذلك يجب أن يكون فرض البنتين كفرض الاختين

قال اللّه عز وجل { يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك }

وقال أبو العباس محمد بن يزيد في الآية نفسها دليل على أن للبنتين الثلثين لانه قال { للذكر مثل حظ الانثيين } وأقل العدد ذكر وأنثى فاذا كان للواحدة الثلث دل ذلك على أن للانثيين الثلثين فهذه أقاويل أهل اللغة وقد قيل ليس للبنات الا النصف والثلثان فلما وجب أن لا يكون للابنتين وجب أن يكون لهما الثلثان على أن ابن عباس قال لهما النصف وقد صح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه أعطى البنتين الثلثين وروى جابر بن عبد اللّه أن امرأة { سعد بن الربيع } أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت يارسول اللّه ان زوجي قتل معك وانما يتزوج النساء للمال وقد خلفني وخلف ابنتين وأخا وأخذ الاخ المال فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال { ادفع اليها الثمن والى البنتين الثلثين ولك ما بقي }

وقوله عز وجل { فان كان له أخوة فلامه السدس } أجمعت الفقهاء أن الاخوة اثنان فصاعدا الا ابن عباس فانه قال لا يكون الاخوة أقل من ثلاثة والدليل على أن الاثنين يقال لهما اخوة قوله { وان كانوا اخوة رجالا ونساء } فلا اختلاف بين أهل العلم أن هذا يكون للاثنين فصاعدا والاثنان جماعة لانه واحد جمعته الى آخر

وقال { وأطراف النهار } يعني طرفيه واللّه أعلم وصلاة الاثنين جماعة

وقوله عز وجل { من بعد وصية يوصي بها أو دين } روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال انكم تقرؤون { من بعد وصية يوصي بها أو دين } وان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية قال أبو جعفر كأن هذا على التقديم والتأخير وليست { أو } ههنا بمعنى الواو وانما هي للاباحة والفرق بينها وبين الواو أنه لو قال { من بعد وصية يوصي بها ودين } جاز أن يتوهم السامع بأن هذا اذا اجتمعا فلما جاء بأو جاز أن يجتمعا وأن يكون واحد منهما

وقوله عز وجل { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا } قال ابن عباس في الدنيا وقال غيره اذا كان الابن أرفع درجة من الاب سأل اللّه أن يلحقه به وكذلك الاب اذا كان أرفع درجة منه

ثم قال تعالى { فريضة من اللّه ان اللّه كان عليما حكيما } أي عليم بما فرض حكيم به ومعنى { كان } ههنا فيه أقوال

أحدهما  أن معناه لم يزل كأن القوم عاينوا حكمة وعلما فأعلمهم اللّه عز وجل أنه لم يزل كذلك وقيل الاخبار من اللّه في الماضي والمستقبل واحد لانه عنده معلوم  

وقوله تعالى { وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة } في الكلالة أقوال قال البصريون الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد واحتجوا بأنه روي عن أبي بكر باختلاف وعن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وجابر بن زيد أنهم قالوا الكلالة من لا ولد له ولا والد وقال البصريون هذا مثل قولك رجل عقيم اذا لم يولد له وهو مشتق من الاكليل فكأن الورثة قد أحاطوا به وليس له ولد ولا والد فيجوز المال وقال أهل المدينة وأهل الكوفة الكلالة الورثة الذين لا والد فيهم ولا ولد وروي عن عمر قولان

أحدهما  أن الكلالة من لا ولد له ولا والد

والآخر أنها من لا ولد له

قال أبو جعفر روي عن عطاء قول شاذ قال الكلالة المال وقال ابن زيد الكلالة الميت الذي لا والد له ولا ولد والحي كلهم كلالة هذا يرث بالكلالة وهذا يورث بالكلالة وقال محمد بن جرير الصواب أن الكلالة الذي يرثون الميت من عدا ولده ووالده لصحة خبر جابر يعني ابن عبد اللّه أنه قال قلت يا رسول اللّه انما يرثني كلالة فكيف بالميراث فنزلت

ثم قال تعالى { وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس }

وانما يعني ههنا الاخوة والاخوات للام وكذلك روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ { وله أخ أو أخت } من أمه فلكل واحد منهما السدس وقرأ الحسن وأبو رجاء { يورث كلالة } وقال هارون القارىء قرأ بعض أهل الكوفة { يورث كلالة } فعلى هاتين القراءتين لا تكون الكلالة الا الورثة أو المال

وقوله عز وجل { من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار } وروي عن الحسن أنه قرأ { غير مضار وصية من اللّه } مضاف وقد زعم بعض أهل اللغة أن هذا لحن لان اسم الفاعل لا يضاف الى المصدر والقراءة حسنة على حذف والمعنى غير مضار ذي وصية أي غير مضار بها ورثته في ميراثهم  

﴿ ١١