سورة الحج

مدنية وآياتها  آية

 بسم اللّه الرحمن الرحيم عونك يا رب سورة الحج وهي مدنية

قال أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد سألت ابن عباس فقال سورة الحج نزلت بمكة سوى ثلاث آيات منها فإنهن نزلن بالمدينة في ستة نفر من قريش ثلاثة منهم مؤمنون وثلاثة كافرون

 فأما المؤمنون فهم حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث رضي اللّه عنهم

 دعاهم للبراز عتبة وشيبه ابنا ربيعة والوليد بن عتبة فأنزل اللّه جل وعز ثلاث آيات مدنيات وهن قوله تعالى { هذان خصمان اختصموا في ربهم } إلى تمام الآيات الثلاث من ذلك

١

   قوله جل وعز { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم }

 روى سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال هذا قبل يوم القيامة

٢

 ثم قال جل وعز { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت } أي تسلو عنه وتتركه وتحير لصعوبة ما هي فيه

 وبين اللّه جل وعز ذلك على لسان نبيه صلى اللّه عيه وسلم في أي موطن يكون هذا يوم القيامة

 حدثنااحمد بن عبد الخالق قال حدثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدي قال حدثني أبي قال حدثنا عصام بن طليق عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن

عائشة قالت كان النبي صلى اللّه عليه وسلم في حجري فقطرت دموعي على خده فاستيقظ صلى اللّه عليه وسلم فقلت ذكرت القيامة وهولها فهل تذكرون أهاليكم يا رسول اللّه فقال يا عائشة ثلاثة لا يذكر فيها أحد إلا نفسه

 أ عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل

 ب وعند الصحف حتى يعلم ما في صحيفته

 ج وعند الصراط حتى يجاوزه

 وقوله جل وعز { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى }

 أي وترى الناس سكارى من العذاب والخوف وما هم بسكارى من الشراب

 وقرأ أبو هريرة وأبو زرعة بن عمرو بن جرير { وترى الناس }

أي تظنهم لشدة ماهم فيه

 حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة وأبان عن أنس بن مالك قال نزلت { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } إلى قوله { ولكن عذاب اللّه شديد }

 قال نزلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو في ميسرله فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال أتدرون أي يوم هذا هذا يوم يقول اللّه عز وجل لادم يا ادم قم فابعث بعث أهل النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة

 فكبر ذلك على المسلمين فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم سددوا وقاربوا وأبشروا فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة وإن معكم لخليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ومن هلك من كثرة الجن والإنس

٣

  قال ابن جريج في قوله تعالى { ومن الناس من يجادل في اللّه بغير علم }

 هو النضر بن الحارث

 وقال غيره { يجادل } يخاصم في اللّه بزعمه أن اللّه تعالى جل وعز غير قادر على إحياء من قد بلي وعاد ترابا { بغير علم }

 وقوله جل وعز { ويتبع كل شيطان مريد } ايه 

 أي ويتبع قوله ذلك وجداله كل شيطان مريد

٤

 { كتب عليه } قال قتادة أي على الشيطان

 المريد الممتد في الشر المتجاوز فيه ومنه قوله تعالى { قال إنه صرح ممرد من قوارير }

 قيل مطول

 وقيل مملس

 وقوله عز وجل { كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله } ايه 

 قال مجاهد وقتادة أنه من تولى الشيطان أي تبعه

 قال أبو جعفر والمعنى قضي على الشيطان أنه يضل من أتبعه

٥

 وقوله عز وجل { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث } ايه 

 أي ان كنتم في شك من أنكم تبعثون فتدبروا في أول خلقكم وابتدائكم فإنكم لا تجدون فرقا بين الإبتداء والإعادة

 ثم قال عز وجل { فإنا خلقناكم من تراب } ايه 

 يعني ادم صلى اللّه عليه وسلم

 ثم من نط

 ثم من علقة }

 قال الخليل العلق الدم قبل أن ييبس الواحدة علقة وهكذا تصير النطفة

 قال أبو عبيدالعلق من الدم ما اشتدت حمرته

  ثم من مضغة }

 وهي لحمة صغيرة بقدر ما يمضغ { مخلقة وغير مخلقة }

 روى معمر عن قتادة قال تامة وغير تامة

 قال الشعبي النطفة والعلقة والمضغة فإذا نكست في الخلق الرابع كانت مخلقة وإذا قذفتها قبل ذلك فهي غير مخلقة

 قال أبو العالية غير مخلقة السقط

 قال أبو جعفر { مخلقة } مصورة ويبين ذلك هذا الحديث المرفوع عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو مروي من طرق شتى

 فمن طرقه ما رواه سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب

قال سمعت ابن مسعود يقول سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول وهو الصادق المصدوق يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يو

 ثم يكون علقة أربعين يو

 ثم يكون مضغة أربعين يو

 ثم يبعث اللّه جل وعز إليه ملكا فيقول اكتب عمله وأجله ورزقه واكتبه شقيا أو سعيدا

 قال عبد اللّه والذي نفسي بيده إن الرجل ليعمل بعمل أهل السعادة فيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذر

 ثم يدركه الشقاء فيعمل بعمل أهل النار أو الشقاء فيدخل النار

 وروى عبيد اللّه بن أبي بكر عن أنس بن مالك جده قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه عز وجل قد وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب أنطفة أي رب أعلقة أي رب أمضغة فإذا أراد اللّه جل وعز أن يقضي خلقها قال يقول الملك أذكر أم أنثى

 أشقي أم سعيد فما الأجل فما الرزق فيكتب ذلك في بطن أمه

 قال علقمة إذا وقعت النطفة في الرحم قال الملك مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة مجت الرحم دما وإن قال مخلقة قال أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فيقول اكتبها من اللوح المحفوظ فيجد صفتها فيستنسخه فلا يزال العبد يعمل عليه حتى يموت

  وقوله جل وعز { لنبين لكم } ايه 

 أي ذكرنا أحوال الخلق لنبين لكم

 ويجوز أن يكون المعنى خلقنا هذا الخلق لنبين لكم

  ثم قال جل وعز { ونقر في الأرحام ما نشاء } ايه 

 أي ونحن نقر في الأرحام ما نشاء

 ثم قال { ومنكم من يتوفى } ايه

 وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ { ومنكم من يتوفى }

 ومعناه يستوفي أجله

 وقوله عز وجل { لكيلا يعلم من بعد علم شيئا } ايه 

 قال الفراء لكيلا يعقل من بعد ما عقل شيئا

  وقوله عز وجل { وترى الأرض هامدة } ايه 

 روى سعيد عن قتادة قال أي غبراء متهشمة

 قال أبو جعفر يقال همدت النار إذا طفئت وذهب لهبها وأرض هامدة أي جافة عليها تراب

  ثم قال جل وعز { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } ايه

 أي تحركت و { وربت } أي زادت

 وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس{ وربأت } أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة وهو الذي يحفظ القوم على شيء مشرف فهو رابيء وربئة على المبالغة

  ثم قال عز وجل { وأنبتت من كل زوج بهيج } ايه 

 أي من كل صنف من النبات

 وروى سعيد عن قتادة قال { بهيج } حسن

 قال أبو جعفر يقال بهج فهو بهج إذا حسن وأبهجني أعجبني لحسنه

٦

  ثم قال جل وعز { ذلك بأن اللّه هو الحق } ايه 

 أي الأمر ذلك والأمر ما وصف لكم وبي

 ثم قال جل وعز { وأنه يحيي الموتى } أي كما أحيا الأرض بقدرته

  وقوله جل وعز { ثاني عطفه } ايه 

 وقال مجاهد أي رقبته

 وقال قتادة أي عنقه

 قال أبو العباس العطف ما انثنى من العنق ويقال للأردية العطف لأنها تقع على ذلك الموقع

 وقال غيره يوصف بهذا المتكبر المعرض تجبرا

١٠

   قوله جل وعز { ذلك بما قدمت يداك وأن اللّه ليس بظلام للعبيد } ايه  

 والمعنى يقال له هذا العذاب بما قدمت يداك وبأن اللّه ليس بظلام للعبيد

١١

  ثم قال جل وعز { ومن الناس من يعبد اللّه على حرف } ايه    

 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال على شك

 قال أبو جعفر وحقيقته في اللغة على حرف طريقة الدين أي ليس داخلا فيه بكليته

 وبين هذا بقوله جل وعز { فإن أصابه خير اطمأن به }

 قال استقر { وإن أصابته فتنة } قال عذاب أو مصيبة { انقلب على وجهه } قال ارتد كافرا

 ثم قال جل وعز { خسر الدنيا

والآخرة } ايه    

 وقرأ مجاهد وحميد{ خاسر الدنيا

والآخرة }

١٢

وقوله جل وعز { يدعو من دون اللّه ما لا يضره وما لا ينفعه } ايه  

١٣

 ثم قال بعد { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى }

 فيقال كيف يكون له ضر وقد قال ما لا يضره

 فالجواب أن المعنى يدعو لمن ضر عبادته

 فإن قيل كيف قال { أقرب من نفعه } ولا نفع له

 فالجواب أن العرب تقول لما لا يكون البتة هذا بعيد مثل قوله تعالى { ذلك رجع بعيد }

 وفي الاية أجوبة من أجل اللام

 فأكثر النحويين يذهب إلى أنها في غير موضعها وأن المعنى يدعو من لضرة أقرب من نفعه

 وقال أبو العباس في الكلام حذف أي يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها

 وقيل { يدعو } ههنا بمعنى يقول كما قال عنترة

  يدعون عنتر والرماح كأنها  أشطان بئر في لبان الأدهم 

 وقال أبو إسحق يجوز أن يكون يدعو في موضع الحال وفيه هاء محذوفة ويكون خبر من { لبئس المولى ولبئس العشير }

 قال الفراء يجوز أن يكون يدعو خبر من ويكون { لبئس المولى ولبئس العشير } مكررة على ما قبلها

 ولأبي إسحق قول اخر وزعم أن النحويين أجازوه قال يكون { ذلك } بمعنى الذي أي الذي هو الضلال البعيد { يدعو لمن ضره } كما قال تعالى { وما تلك بيمينك يا موسى } وأنشد

  عدس مالعباد عليك إمارة  أمنت وهذا تحملين طليق 

 وحكى الفراء أنه يجوز في هذا شيء لم يتقدم به أثر وهو يدعو لمن ضره بكسر اللام بمعنى يدعو إلى من ضره كما قال سبحانه { الحمد للّه الذي هدانا لهذا } أي إلى هذا

 قال أبو جعفر والاية مشكلة لدخول اللام وإن الحذاق من النحويين يمنعون أن ينوى بها تقديم أو تأخير لأنها لا تصرف وأن يكون { يدعو } بمعنى يقول حسن والخبر محذوف أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه له

  ثم قال جل وعز { لبئس المولى } ايه   

 أي الولي كما قال الشاعر

  فعدت كلا الفرجين تحسب أنه  مولى المخافة خلفها وأمامها

 { ولبئس العشير } أي الصاحب والخليل

 قال مجاهد يعني الوثن

١٥

  وقوله جل وعز { من كان يظن أن لن ينصره اللّه في الدنيا

والآخرة } ايه   

 قال أبو جعفر هذه الاية مشكلة وفيها قولان

 أ روى سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال { من كان يظن أن لن ينصره اللّه } يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم { فليمدد بسبب } أي بحبل { إلى السماء } أي سقف بيته

 ثم ليقطع } أي ليختنق

 قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل التفسير منهم الضحاك

 ومعناه من كان يظن أن لن ينصر اللّه محمدا عليه السلام

ويظهر دينه على الدين كله فليجهد جهده فلينظر هل ينفعه ذلك شيئا

 ب والقول الاخر أن طلحة بن عمرو قال سمعت عطاء يقول في قوله تعالى { من كان يظن أن لن ينصره اللّه } أن لن يرزقه اللّه { فليمدد بسبب إلى السماء } أي إلى سماء بيته فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق

 وروى ابن أبي نجيج عن مجاهد { من كان يظن أن لن ينصره اللّه } قال أي أن لن يرزقه اللّه

 قال أبو جعفر وهذا القول أيضا معروف في اللغة وهو قول أبي عبيدة

 وحكى أهل اللغة أنه يقال أرض منصورة أي ممطورة

 وروى عن ابن عباس من كان يظن أن لن ينصر اللّه

محمدا أي يرزقه في الدنيا

 وقال غيره الأولى أن تكون الهاء تعود على النبي صلى اللّه عليه وسلم لأن اللّه جل وعز ذكر قوما يعبدونه على ح

 ثم أتبع ذلك هذه الاية في قوم يظنون أن اللّه لا يوسع على محمد وأمته ولا يرزقهم في الاخرة من سني عطاياه فليمدد بحبل إلى سماء فوقه إما سقف بيته أو غيره إذا اغتاط لاستعجال ذلك

١٧

  قال أبو جعفر وقد ذكرنا القول في قوله عز وجل { إن الذين آمنوا والذين هادوا } في سورة البقرة

١٨

  وقوله تعالى { ألم تر أن اللّه يسجد له من في السماوات ومن في الأرض } ايه   

 قيل السجود ههنا الطاعة والانقياد

 ومعنى قوله تعالى { وكثير حق عليه العذاب } وكثير أبى

  ثم قال جل وعز { ومن يهن اللّه فما له من مكرم } ايه  

 قال الفراء وقد يقرأ فما له من مكرم أي إكرام

١٩

  ثم قال جل وعز { هذان خصمان اختصموا في ربهم } ايه   

 قد ذكرنا فيمن نزلت هذه القصة في أول هذه السورة

  ثم قال جل وعز { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } ايه   

 قيل هذا لأحد الخصمين وهي الفرقة الكافرة

٢٠

  ثم قال جل وعز { يصهر به ما في بطونهم } ايه 

 قال مجاهد أي يذاب

 قال أبو جعفر وحكى أهل اللغة صهرت الشحم أي أذبته والصهارة ما أذيب من الألية

٢٥

  وقوله جل وعز { إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللّه } ايه 

 خبر إن محذوف

 والمعنى إن الذين كفروا هلكوا كما قال إن محلا وإن مرتحلا

  ثم قال جل وعز { والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد } ايه 

 وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ { سواء } بالنصب العاكف فيه والباديء بالخفض

 والمعنى الذي جعلناه للناس العاكف والبادي

 قال مجاهد العاكف النازل والبادي الجائي

 وقال الحسن وعطاء العاكف من كان من أهل مكة والبادي من كان من غير أهلها

 قال مجاهد أي هما في تعظمهما وحرمتهما سواء

 وقال عطاء أي ليس أحد أحق به من أحد

 وتأول عمر بن عبد العزيز الاية على أنه لا يكرى بيوت مكة

 وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان ينهي أن تغلق دور مكة في زمن الحج وأن الناس كانوا ينزلون منها حيث وجدوه فارغا

 وظاهر القران يدل على أن المراد المسجد كما قال جل وعز { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام } لأنهم كانوا يمنعون منه ويدعون أنهم أربابه إنما ذكر المسجد ولم يذكر دور الناس ومنازلهم

 وقيل هما في إقامة المناسك سواء

 وقيل ليس ل

أحدهما  فضل على صاحبه

  ثم قال جل وعز { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } ايه 

 روى مرة عن عبد اللّه بن مسعود قال لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ولو هم بقتل رجل بمكة وهو ب عدن أبين لعذبه اللّه جل و

 ثم قرأ { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }

 وروى هشيم عن الحجاج عن عطاء { ومن يرد فيه بإلحاد } قال من عبد غير اللّه جل وعز

 وقال مجاهد من عمل بسيئة

 وقال حبيب بن أبي ثابت هم المحتكرو الطعام بمكة

 وأبين ما قيل فيه أن معنى { بإلحاد بظلم } لكل معصية لأن الاية عامة

 قال أبو جعفر أصل الإلحاد في اللغة الميل عن القصد ومنه سمي اللحد ولو كان مستويا لقيل ضريح ومنه قوله سبحانه { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } يقال لحد وألحد بمعنى واحد هذا قول أهل اللغة إلا الأحمر فإنه حكى أنه يقال ألحد إذا جادل ولحد إذا عدل ومال

 قال سعيد بن مسعدة الباء زائدة والمعنى ومن يرد فيه إلحاد بظلم

 وهذا عند أبي العباس خطأ لأنه لا يزاد شيء لغير معنى

 والقول عنده أن يريد ما يدل على الإرادة فالمعنى ومن إرادته بأن يلحد بظلم كما قال الشاعر  أريد لأنسى ذكرها فكأنما

  تمثل لي ليلى بكل سبيل 

 وحكى الفراء عن بعض القراء { ومن يرد فيه بإلحاد } من الورود

 وهذا بعيد لأنه إنما يقال وردته ولا يكاد يقال وردت فيه

٢٦

  وقوله جل وعز { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } ايه

 يقال لم جيء ههنا باللام وقد قال في موضع اخر { ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق }

 فالفرق بينهما أن أهل التفسير قالوا المعنى جعلنا لإبراهيم مكان البيت مبوأ أي منزلا

 قال أبو جعفر ويبين لك معناه حديث حدثناه أبو عبيد القاضي عن الزعفراني قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب قال سمعت كعب الأحبار يقول كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق اللّه الأرض بأربعين سنة ومنه دحيت الأرض

 قال سعيد حدثنا علي بن أبي طالب أن إبراهيم نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم أقبل من أرمينية ومعه السكينة تدله على البيت حتى تبوأ البيت تبوأ كما تتبوأ العنكبوت بيتا فكان يحمل الحجر من الحجارة الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلا قال فقلت لسعيد يا أبا محمد إن اللّه جل وعز يقول { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل }

قال إنما كان هذا بعد ذلك

  ثم قال جل وعز { وطهر بيتي للطائفين والقائمين } ايه 

 روى هشيم عن عبد الملك قال { والقائمين } المصلون قال قتادة { والركع السجود } أهل الصلاة

٢٧

  ثم قال عز وجل { وأذن في الناس بالحج } ايه 

 وقرأ الحسن { وأذن في الناس بالحج } مخففة ممدودة

 يقال اذنته بالصلاة وبكذا أي أعلمته وأذنت على التكثير

 وقرأ ابن أبي إسحق { بالحج } بكسر الحاء في جميع القران

 قال مجاهد فقال إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم يا رب كيف أقول قال قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم وفوقرت في قلب كل مؤمن فأجابوا

ب لبيك اللّهم لبيك أي فأجاب من يحج

  ثم قال جل وعز { يأتوك رجالا } ايه 

 قال ابن عباس أي رجالة

 وقرأ مجاهد { يأتوك رجالا }

 وروى عن عكرمة يأتوك رجالا

 قال أبو جعفر يقال في جمع راجل خمسة أوجه راجل ورجال مثل راكب وركاب وهذا الذي روي عن عكرمة وراجل ورجال مثل قائم وقيام

 ويقال راجل ورجله ورجل ورجاله فهذه خمسة والذي روي عن مجاهد غير معروف والأشبه به أن يكون غير منون مثل كسالى وسكارى ولو نون لكان على فعال وفعال في الجميع قليل

  ثم قال جل وعز { وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق }

 وقرأ أصحاب عبد اللّه { يأتين من كل فج عميق }

 قال عطاء ومجاهد والضحاك من كل طريق بعيد

 قال أبو جعفر العمق في اللغة البعد ومنه بئر عميقة أي بعيدة القعر ومنه وقاتم الأعماق خاوي المخترق

٢٨

  ثم قال جل وعز { ليشهدوا منافع لهم }

 روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال الأسواق

 وروى سفيان عن جابر عن أبي جعفر { ليشهدوا منافع لهم } قال المغفرة

 وقال عطاء ما يرضى اللّه من أمر الدنيا

والآخرة

 قال أبو جعفر قول جابر في هذا أحسن أي وأذن في الناس بالحج ليأتوا لعمل الحج الذي دعوا له وهو سبب للمغفرة وليس يأتون من كل فج عميق ولا وأذن فيهم ليتجروا هذا بعيد جدا

  ثم قال جل وعز { ويذكروا اسم اللّه في أيام معلومات }

 في الأيام المعلومات اختلاف ولا نعلم في المعدودات اختلافا

 روى ابن ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده إذبح في أيها شئت وأفضلها وأولها

 وهذا المعروف من قول ابن عمر وهو قول أهل المدينة

 وروى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال

 الأيام المعلومات العشر يوم النحر منها

 والأيام المعدودات أيام التشريق إلى آخر النفر

 وقال بهذا القول عطاء ومجاهد وإبراهيم والضحاك وهو قول أهل الكوفة

  وقوله جل وعز { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير }

 قال عطاء ومجاهد إن شئت فكل وإن شئت فلا تأكل

 قال أبو جعفر وهذا عند أهل اللغة على الإباحة كما قال سبحانه { وإذا حللتم فاصطادوا }

 فإن قيل الإباحة لا تكون إلا بعد حظر فكيف يكون ههنا إباحة ولبس في الكلام حظر

 فالجواب أنهم كانوا في الجاهلية يحظرون أكل لحوم الضحايا

فأعلمهم اللّه جل وعز أن ذلك مباح لهم

 قال مجاهد { البائس } الذي إذا إذا سألك مد يده

 قال أبو جعفر البائس في اللغة الذي به البؤس وهو شدة الفقر

٢٩

  وقوله جل وعز {ثم ليقضوا تفثهم }

 حدثنا أحمد بن محمد بن منصور الحاسب قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا عبد الملك بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال التفث الحلق والتقصير والرمي والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الإظفار

 وكذلك هو عند جميع اهل التفسير أي الخروج من الإحرام إلى الحل لا يعرفه أهل اللغة إلا من التفسير

 وقوله جل وعز { وليوفوا نذورهم }

 قال مجاهد الحج والهدي وكل ما يلزم الإنسان من أمر الحج

 قال أبو جعفر الذي قاله مجاهد معروف يقال لكل ما وجب على الإنسان نذر

 فالمعنى وليوفوا ما وجب عليهم من أمر الحج

  ثم قال سبحانه { وليطوفوا بالبيت العتيق }

 قال مجاهد والضحاك هو الطواف الواجب يوم النحر

 وروى روح بن عبادة عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال إنما سمي البيت العتيق لأن اللّه جل وعز أعتقه من الجبابرة فلم يغلب عليه جبار قط

 ورواه أبو داود الطيالسي عن صالح عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة غير مرفوع

 وقال الحسن سمي العتيق لقدمه

 وحجته قوله تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة }

٣٠

  وقوله جل وعز { ذلك ومن يعظم حرمات اللّه فهو خير له عند ربه }

 قال مجاهد الحج والعمرة

 وقال عطاء المعاصي

 قال أبو جعفر القولان يرجعان إلى شيء واحد إلا أن حرمات اللّه جل وعز ما فرضه وأمر به ونهى عنه فلا ينبغي أن يتجاوز كأنه الذي يحرم تركه

  وقوله جل وعز { وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم }

 قيل الصيد للمحرم

وروى معمر عن قتادة قال الميتة وما لم يذكر اسم اللّه عليه

 وقال غيره هو ما يتلى في سورة المائدة من قوله جل وعز { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } إلى قوله { وما أكل السبع إلا ما ذكيتم }

 قال أبو جعفر وقول قتادة جامع لهذا لأن هذه المحرمات أصناف الميتة

  ثم قال تعالى { فاجتنبوا الرجس من الأوثان }

 الرجس النتن

 ومن ههنا لبيان الجنس أي الذي هو وثن

  ثم قال جل وعز { واجتنبوا قول الزور }

 قال عبد اللّه بن مسعود عدل اللّه عز وجل شهادة الزور بالش

 ثم تلا هذه الآية

 وقال مجاهد الزور الكذب

 وقيل الشرك

 والمعاني متقاربة وكل كذب زور وأعظم ذلك الشرك

 والذي يوجب حقيقة المعنى لا تحرموا ما كان أهل الأوثان يحرمونه من قولهم { ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا } ومن تحريم السائبة وما أشبه ذلك من الزور كما قال تعالى { افتراء على اللّه }

٣١

  ثم قال جل وعز { حنفاء للّه غير مشركين به } قال مجاهد أي متبع

 ثم قال جل وعز { ومن يشرك باللّه فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير }

 أي هو في البعد من الحق كذي

 يقال خطفه يخطفه واختطفه يختطفه إذا أخذه بسرعة

  ثم قال جل وعز { أو تهوي به الريح في مكان سحيق }

 قال مجاهد أي بعيد

٣٢

  وقوله جل وعز { ذلك ومن يعظم شعائر اللّه }

 قال مجاهد عن ابن عباس هو تسمين البدن وتعظيمها وتحسينها

 وقال غيره { شعائر اللّه } رمي الجمار وما أشبه ذلك من مناسك الحج

 قال أبو جعفر وهذا لا يمتنع وهو مذهب مالك بن أنس أن المنفعة بعرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر وفي المشعر الحرام إلى أن تطلع الشمس وفي رمي الجمار إلى انقضاء أيام منى وهذه كلها شعائر والمنفعة فيها الى وقت معلوم

 ثم محلها } كلها { إلى البيت العتيق } فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر بالبيت العتيق فقد حل

 وواحد الشعائر شعيرة لأنها أشعرت أي جعلت فيها علامة تدل على أنها هدي

 ثم قال تعالى { فإنها من تقوى القلوب } أي فإن الفعلة

٣٣

  وقوله جل وعز { لكم فيها منافع إلى أجل مسمى }

 قال أبو جعفر في هذا قولان غير قول مالك

 أحدهما  أن عروة قال في البدن المقلدة يركبها ويشرب من ألبانها

 والثاني قال مجاهد هي البدن من قبل أن تقلد ينتفع بركوبها وأوبارها وألبانها وإذا صارت هديا لم يكن له أن يركبها إلا من ضرورة

 قال أبو جعفر وقول مجاهد عند قوم أولى لأن الأجل

المسمى عنده أن تجعل هديا وتقلد والأجل المسمى ليس موجودا في قول عروة

 وقد احتج من قال بقول عروة بقول النبي صلى اللّه عليه وسلم اركبها ويلك

 واحتج عليه بأنه لم يقل له وهل يحرم ركوب البدن

 ولعل ذلك من ضرورة ويبين هذا حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهرا

٣٤

  وقوله جل وعز { ولكل أمة جعلنا منسكا }

 روى سفيان عن أبيه عن عكرمة قال مذبحا

 وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول عيدا

 قال أبو اسحق المنسك موضع الذبح والمنسك المصدر

  ثم قال تعالى { وبشر المخبتين }

 روى سفيان عن ابن ابي نجيح عن مجاهد قال المخبتون المطمئنون بأمر اللّه جل وعز

 وقال عمرو بن أوس المخبتون الذين لا يظلمون واذاظلموا لم ينتصروا

 قال أبو جعفر وأصل هذا من الخبت وهو ما اطمأن من الأرض

٣٦

وقوله جل وعز { والبدن جعلناها لكم من شعائر اللّه } وقرأ ابن أبي إسحق { والبدن }

{ والبدن } والمعنى واحد

 قال مجاهد قيل لها بدن للبدانة

 قال أبو جعفر البدانة السمن يقال بدن إذا سمن وبدن إذا أسن فقيل لها بدن لأنه تسمن

  وقوله جل وعز { لكم فيها خير }

وقرأ الحسن وزيد بن أسلم والأعرج صوافي

 روى نافع عن ابن عمر { فاذكروا اسم اللّه عليها صواف } قال قياما مصفوفة

 وروى أبو ظبيان عن ابن عباس فاذكروا اسم اللّه عليها قال بسم اللّه واللّه أكبر اللّهم منك ولك

 قال وصوافن قائمة على ثلاث

 قال قتادة معقولة اليد اليمنى

 قال الحسن وزيد بن أسلم صوافي أي خالصة للّه من الشرك

 قال أبو جعفر صواف جمع صافة وصافة مصفوفة ومصطفة بمعنى واحد

 وصوافن جمع صافنة يقال للقائم صافن ويستعمل لما قام على ثلاث

 وصوافي جمع صاف وهو الخالص أي لا تذكروا عليها غير اسم اللّه جل وعز حتى تكون التسمية خالصة اللّه جل وعز

  ثم قال جل وعز { فإذا وجبت جنوبها }

 قال مجاهد أي خرت الى الأرض

  ثم قال جل وعز { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر }

 قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا وهو الصحيح في اللغة أن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن قالوا

 { القانع } الذي يسأل

 { والمعتر } الذي يتعرض ولا يسأل

 وقال مالك بن أنس أحسن ما سمعت أن القانع هو الفقير وأن المعتر هو الزائر

 وقال أبو جعفر يقال قنع الرجل يقنع قنوعا فهو قانع إذا سأل وأنشد أهل اللغة

  لمال المرء يصلحه فيغني  مفاقرة أعف من القنوع 

 وروي عن أبي رجاء أنه قرأ{ وأطعموا القنع }

 ومعنى هذا مخالف للأول يقال قنع الرجل إذا رضي فهو قنع

 وروى عن الحسن أنه قرأ{ والمعتري } معناه كمعنى المعتر يقال اعتره واعتراه وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه

٣٧

 وقوله جل وعز { لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها }

 يروى عن ابن عباس أنهم كانوا في الجاهلية ينضحون بدماء البدن ما حول البيت فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل اللّه جل وعز هذه الآية

 قال إبراهيم في قوله { ولكن يناله التقوى منكم } قال التقوى ما أريد به وجه اللّه عز وجل

٣٨

  وقوله جل وعز { إن اللّه يدافع عن الذين آمنوا }

 وعدهم جل وعز الن

 ثم أخبرهم أنه لا يحب من ذكر غير اسمه على الذبيحة فقال { إن اللّه لا يحب كل خوان كفور }

 و{ خوان } فعال من الخيانة

٣٩

  ثم قال جل وعز { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا }

 في الكلام حذف

 والمعنى أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا

 وروى الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه قرأ أذن بفتح الهمزة يقاتلون بكسر التاء وقال هي أول آية نزلت في القتال لما أخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة

٤٠

 وقوله جل وعز { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق }

 روى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن خرج معه من مكة

ثم قال جل وعز { إلا أن يقولوا ربنا اللّه }

 هذا عند سيبويه استثناء ليس من الأول

 وقال غيره المعنى إلا بأن يقولوا ربنا اللّه على البدل

  ثم قال جل وعز { ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيرا }

 حدثنا سعيد بن موسى ب ( قرقيسياء ) قال حدثنا مخلد بن مالك عن محمد بن سلمة عن خصيف قال

 أما الصوامع فصوامع الرهبان

 وأما البيع فكنائس النصارى

 وأما الصلوات فكنائس اليهود

 وأما المساجد فمساجد المسلمين

 قال أبو جعفر والمعنى على هذا لولا أن اللّه جل وعز يدفع بعض الناس ببعض لهدم في وقت كل نبي المصليات التي يصلي فيها

 وقيل { يذكر فيها اسم اللّه كثيرا } راجع إلى المساجد خاصة هذا قول قتادة

 فأما قوله { وصلوات } والصلوات لا تهدم ففيه ثلاثة أقوال

 قال الحسن هدمها تركها

 قال الأخفش هو على إضمار أي وتركت صلوات

 وقال أبو حاتم هو إن شاء اللّه بمعنى موضع صلوت

 وروي عن عاصم الجحدري أنه قرأ{ وصلوب } بالباء المعجمة من تحت

 وروي عنه أنه قرأ{ وصلوت } بضم الصاد والتاء معجمة بنقطتين وقال هي للنصارى

 وروي عن الضحاك أنه قرأ{ وصلوث } بالثأء معجمة ولا أدري أفتح الصاد أم ضمها

 إلا أن الحسن قال { وصلوات } هم كنائس اليهود وهي بالعبرانية صلوثا

٤١

  وقوله جل وعز { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } آية   

 قال الحسن هم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم

 وقال ابن أبي نجيح هم الولاة

 قال أبو جعفر الذين بدل من من والمعنى ولينصرن اللّه الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة

٤٥

  وقوله جل وعز { فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها } آية 

 قال أهل التفسير المعنى فكم وهي عند النحويين أي دخلت عليها كاف التشبيه فصار التقدير كالعدد الكثير والمعنى معنى كم

  وقوله جل وعز { فهي خاوية على عروشها } آية 

 وروي معمر عن قتادة قال خالية ليس فيها أحد

 قال أبو جعفر يقال خوت الدار تخوي خواء إذا خلت وخوى الرجل يخوي خوى إذا جاع والعروش السقوف

  ثم قال جل وعز وبئر معطلة

 قال الضحاك أي لا أهل لها

 { وقصر مشيد } قال عكرمة أي مجصص

 قال ابن أبي نجيح أي بالقصة وهي الجص

 وروي علي بن الحكم عن الضحاك { وقصر مشيد } قال طويل

 والقول الأول أولى لأنه يقال شاده يشيده إذا بناه بالشيد وهو الجص كما قال عدي بن زيد

  شاده مرمرا وجللّه كلسا  فللطين في ذاره وكور

 فأما إذا طوله ورفعه فإنما يقال فيه شيده وأشاده ومنه أشاد فلان بذكر فلان

٤٦

  وقوله جل وعز { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } وفي قراءة عبداللّه{ فإنه لا تعمى } والمعنى واحد

 قال أبو جعفر التذكير على الخبر والتأنيث على القصة

 قال قتادة البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة والبصر النافع في القلب

٤٧

  ثم قال جل وعز { ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون }

 روي إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من الأيام التي خلق اللّه فيها السموات والأرض كألف سنة مما تعدون

 وروى شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من أيام الآخرة كألف سنة مما تعدون

 قال ويوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم القيامة

 قال أبو جعفر والقول الثاني حسن جدا لأنه عليه يتصل بالكلام الأول لأنهم استعجلوا بالعذاب فقال { ولن يخلف اللّه وعده } أي في عذابهم وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة مما تعدون في الدنيا

 فصار المعنى إن اللّه لن يخلف وعده في عذابهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة أشد

 قال أبو جعفر وفي معناه قول آخر بين وهو أنهم استعجلوا بالعذاب فأعلمهم اللّه جل وعز أنه لا يفوته شيء وإن يوما عنده وألف سنة واحد إذ كان ذلك غير فائته

٥١

  وقوله جل وعز { والذين سعوا في آياتنا معاجزين } آية   

 قال عبد اللّه بن الزبير إنما هي { معجزين } أي مثبطين عن الإيمان

 قال ابن عباس { معاجزين } أي مشاقين

 قال الفراء معاندين

 وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى { معاجزين } قال كذبوا بآيات اللّه عزوجل وظنوا أنهم يعجزون اللّه ولن يعجزوه

 قال أبو جعفر وهذا قول بين

 والمعنى عليه والذين سعوا في آياتنا ظانين أنهم يعجزوننا لأنهم لا يقرون ببعث ولا بجنة ولا نار أولئك أصحاب الجحيم

٥٢

  وقوله جل عز { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } آية 

 قال بن أبي نجيح { تمنى } أي قال

 وقال أهل اللغة تمنى أي تلا والمعنى واحد

  ثم قال جل وعز { فينسخ اللّه ما يلقي الشيط

 ثم يحكم اللّه آياته } آية 

 روى الليث عن يونس عن الزهري قال أخبرني أبو بكر ابن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ بمكة { والنجم إذا هوى } فلما بلغ إلىى قوله تعالى { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } سها فقال فإن شفاعتهم ترتجى فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه

 فقال إن ذلك من الشيطان فأنزل اللّه جل وعز { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } إلى آخر الآية

 قال قتادة قرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم فاغفى ونعس فقال أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فإنها ترتجى وإنها الغرانيق العلى فوقرت في قلوب المشركين فسجدوا معه أجمعون وأنزل اللّه

جل وعز { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } إلى آخر الآية

٥٣

  وقوله جل وعز { ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض } آية 

 { فتنة } أي اختبار وامتحانا واللّه جل وعز يمتحن بما يشاء

  وقوله جل وعز { وإن الظالمين لفي شقاق بعيد } الشقاق أشد العداوة

٥٥

  ثم أخبر تعالى أن هؤلاء لا يتوبون ولا يزالون في شك فقال جل وعز { ولا يزال الذين كفروا في مرية منه } أي في شك { حتى تأتيهم الساعة بغتة } أي فجأة { أو يأتيهم عذاب يوم عقيم } آية 

 قيل هو يوم القيامة

 وأهل التفسير على أنه يوم بدر قال ذلك سعيد بن جبير وقتادة

 وقال قتادة وبلغني عن أبي بن كعب أنه قال أربع آيات نزلت في يوم بدر

 { عذاب يوم عقيم } يوم بدر

واللزام القتال في يوم بدر

 و { يوم نبطش البطشة الكبرى } يوم بدر

 { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } يوم بدر

 قال أبو جعفر أصل العقم في اللغة الامتناع ومنه قولهم امرأة عقيم رجل عقيم إذا منعا الولد

 وريح عقيم لا يأتي بسحاب فيه مطر أي فيه العذاب

 ويوم عقيم لا خير فيه لقوم

 فيوم القيامة ويوم بدر قد عقم فيهما الخير والفرح عن الكفار

٦٠

 وقوله جل وعز { ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به } آية  والأول ليس بعقوبة فسمي الأول باسم الثاني لأنهما من جنس واحد على الازدواج كما يسمى الثاني باسم الأول

٦٣

  وقوله جل وعز { ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة } آية 

 قال سيبويه سألت الخليل عن قوله تعالى { ألم تر أن اللّه أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة } فقال هذا واجب وهو تنبيه

 والمعنى انتبه أنزل اللّه من السماء ماء فكان كذا وكذا

 وقال الفراء هو خبر

 ويقرأ { فتصبح الأرض مخضرة } أي ذات خضر كما يقول مبقلة ومسبعة أي ذات بقل وسباع

  وقوله جل وعز { ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } آية 

 والمعنى كراهية أن تقع

٦٧

  وقوله جل وعز { فلا ينازعنك في الأمر } آية 

٦٨

 أي فلا يجادلنك ود على هذا { وإن جادلوك } ويقال قد نازعوه فكيف قال { فلا ينازعنك } فالجواب أي المعنى فلا تنازعهم

 ولا يجوز هذا إلا فيما لا يكون إلا من اثنين نحو المنازعة

والمخاصمة وما أشبهها ولو قلت لا يضربنك تريد لا تضربهم لم يجز

 ويقرأ { فلا ينازعنك في الأمر } قرأ به أبو مجلز أي فلا يغلبنك

 وحكى أهل اللغة نازعني فنزعته

٧٢

  وقوله جل وعز { يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا } آية 

 قال محمد بن كعب أي يقعون بهم

 وقال الضحاك أي يأخذونهم أخذا باليد

 وحكى أهل اللغة سطا به يسطو إذا بطش به كان ذلك بضرب أو بشتم

٧٣

  وقوله جل وعز { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له } آية

 قال الأخفش إن قيل فأين المثل

 فالجواب أنه ل

 ثم مثل والمعنى إن اللّه جل وعز قال ضربوا لي مثلا على قولهم

 وقال القتبي ياأيها الناس مثلكم مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذبابا وسلبها الذباب شيئا فلم تستطع أن تستنقذه منه

 فذهب إلى أن في الكلام ما دل على المثل من قوله { لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له } إلى آخر الآية

 ومذهب الأخفش أن الكفار ضربوا للّه جل وعز مثلا أي جعلوا للّه مثلا بعبادتهم غيره كما يعبد هو جل وعز كما قال أين شركائي

والذباب عند أهل اللغة واحد وجمعه أذبة وذبان

  وقوله جل وعز { ضعف الطالب والمطلوب } آية  الطالب الآلهة والمطلوب الذباب

٧٤

  ثم قال جل وعز { ما قدروا اللّه حق قدره } آية  أي ما عظموه حق عظمته

 ولما خبر بضعف ما يعبدون أخبر بقوته فقال جل وعز { إن اللّه قوي عزيز }

٧٧

  وقوله جل وعز { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } آية 

 فلا يكون ركوع إلا بسج

 ثم قال تعالى { واعبدوا ربكم } أي أخلصوا عبادتكم للّه وحده

  ثم قال جل وعز { وافعلوا الخير } آية  أي كل ما أمر اللّه به

 ثم قال جل وعز { لعلكم تفلحون } أي لتكونوا على رجاء من الفلاح

٧٨

  ثم قال جل وعز { وجاهدوا في اللّه حق جهاده } آية 

 قيل هذا منسوخ وهو مثل قوله { اتقوا اللّه حق تقاته } نسخه { فاتقوا اللّه ما استطعتم }

  ثم قال جل وعز { هو اجتباكم } أي اختار

 ثم قال { وما جعل عليكم في الدين من حرج } آية 

 قال أبو هريرة الاصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم

 روى يونس عن الزهري قال سأل عبد الملك بن مروان علي

ابن عبد اللّه ابن عباس عن قوله تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فقال هو الضيق جعل لكفارات الأيمان مخرجا سمعت ابن عباس يقول ذلك

 قال أبو جعفر أصل الحرج في اللغة أشد الضيق وقد قيل إن المعنى أنه جعل للمسافر الإفطار وقصر الصلاة ولمن لم يقدر أن يصلي قائما الصلاة قاعدا وإن لم يقدر أوما فلم يضيق جل وعز

 وروى معمر عن قتادة قال أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم يعطها إلا نبي

 أ كان يقال للنبي اذهب فلا حرج عليك وقيل لهذه الأمة { وما جعل عليكم في الدين من حرج }

 ب والنبي صلى اللّه عليه وسلم شهيد على أمته وقيل لهذه الأمة { وتكونوا شهداء على الناس }

 ج ويقال للنبي سل تعطه وقيل لهذه الأمة { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم }

 وقال كعب الأحبار نحو هذا

 وقال عكرمة أحل النساء مثنى وثلاث ورباع

 وروى عن ابن عباس جعل التوبة مقبولة

  وقوله جل وعز { ملة أبيكم إبراهيم } آية 

 أي وسع عليكم كما وسع عليه صلى اللّه عليه وسلم وقيل { وافعلوا الخير } فعل أبيكم إبراهيم

  ثم قال تعالى { هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا } آية 

 روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول اللّه جل وعز سماكم

 قال مجاهد { من قبل } أي في الكتب والذكر

 قال أبو جعفر { وفي هذا } يعني القرآن

  ثم قال جل وعز { ليكون الرسول شهيدا عليكم } آية 

 قال سفيان أي بأعمالكم { وتكونوا شهداء على الناس } بأن الرسل قد بلغتهم

  وقوله جل وعز { فنعم المولى } أي الولي { ونعم النصير } أي الناصر كما يقول قدير وقادر ورحيم وراحم

 انتهت سورة الحج

﴿ ٠