سورة العنكبوتمكية وآياتها آية بسم اللّه الرحمان الرحيم سورة العنكبوت وهي مكية ١وقوله جل وعز { الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } آية هذا استفهام فيه معنى التقرير والتوبيخ أي أحسب الناس أن يقنع منهم بأن يقولوا آمنا فقط ولا يختبروا حتى يعرف حقيقة إيمانهم وصبرهم وصدقهم وكذبهم ويظهر ذلك منهم فيجازوا عليه وأما الغيب فقد علمه اللّه جل وعز منهم ثم قال { أن يقولوا آمنا } أي على أن يقولوا ولأن يقولوا وبأن يقولوا آمنا { وهم لا يفتنون } قال مجاهد وقتادة أي لا يبتلون ٢ثم قال جل وعز { ولقد فتنا الذين من قبلهم } آية أي ابتليناهم ٣وقوله جل وعز { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } آية قال مجاهد أي أن يعجزو ٤وقوله جل وعز { من كان يرجو لقاء اللّه فإن أجل اللّه لآت } آية قال أبو إسحق المعنى من كان يرجو لقاء ثواب اللّه جل و ٨وقوله جل وعز { ووصينا الإنسان بوالديه حسنا } أي ما يح ثم قال جل وعز { وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } قال أبو إسحق المعنى وإن جاهداك أيها الإنسان والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعه ١٠وقوله جل وعز { ومن الناس من يقول آمنا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة الناس كعذاب اللّه } آية قال مجاهد { فإذا أوذي في اللّه } أي عذب خاف من عذاب الناس كما يخاف من عذاب اللّه جل وعز قال الضحاك هؤلاء قوم قالوا آمنا فإذا أوذي أحدهم أشرك وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال كان قوم بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا اللّه فلما خرج المشركون إلى بدر أكرهوهم على الخروج معهم فقتل بعضهم فأنزل اللّه جل وعز فيهم { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم } إلى قوله { فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوا غفورا } فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فخرج مسلمون من مكة فلحقهم المشركون فافتتن بعضهم فأنزل اللّه جل وعز فيهم { ومن الناس من يقول آمنا باللّه فإذا أوذي في اللّه جعل فتنة الناس كعذاب اللّه } قال الشعبي نزلت فيهم عشر آيات من قوله تعالى { الم أحسب الناس أن يتركوا } قال عكرمة فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين كانوا بمكة قال رجل من بني ضمرة كان مريضا أخرجوني إلى الروح فأخرجوه فمات فأنزل اللّه جل وعز فيه { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه ورسو ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه } إلى آخر الآية وأنزل في المسلمين الذين كانوا افتتنوا ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجها ثم تابوا } إلى آخر الآ ١٢وقوله جل وعز { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } آية قال الضحاك هؤلاء القادة من المشركين قال مجاهد هم مشركوا أهل مكة قالوا لمن آمن منهم نحن وأنتم لا نبعث فاتبعونا فإن كان عليكم وزر فهو علينا قال أبو جعفر هذا كما تقول قلدني هذا إن كان فيه وزر أي ليس فيه وزر قال الفراء وفيه معنى المجازاة وأنشد فقلت ادعي وادع فإن أندى لصوت أن ينادي داعيان قال المعنى ادعي ولأدع أي إن دعوت دع وقوله جل وعز { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } آية المعنى وما هم بحاملين عنهم شيئا يخفف ثقل ١٣ثم قال جل وعز { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } آية قال أبو أمامة الباهلي يؤتى بالرجل يوم القيامة وهو كثير الحسنات فلا يزال يقتص منه حتى تفنى حسنا ثم يطا ثم يقول اللّه جل وعز اقتصوا من عبدي فتقول الملائكة ما بقيت له حسنات فيقول خذوا من سيئات المظلوم فاجعلوها عليه قال أبو أما ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } وقال قتادة في قوله عز وجل { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } قال من دعا إلى ضلالة كتب عليه وزرها ووزر من يعمل بها ولا ينقص ذلك منها شيئا قال أبو جعفر وأهل التفسير على أن معنى الآية كما قال قتادة ومثله قوله جل وعز { ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ١٤وقوله جل وعز { فأخذهم الطوفان وهم ظالمون } آية يقال لكل كثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت طوفان ١٧وقوله جل وعز { وتخلقون إفكا } أي وتنحتون والمعنى على هذا إنما تعبدون من دون اللّه أوثانا وأنتم تصنعونها وقال مجاهد { إفكا } أي كذبا والمعنى على هذا ويختلقون الكذب وقرأ أبو عبد الرحمن { وتخلقون إفكا } والمعنى وا ٢٢وقوله جل وعز { وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء } آية قال محمد بن يزيد المعنى ولا من في السماء ومن نكرة وأنشد غيره فمن يهجو رسول اللّه منكم ويمدحه وينصره سواء وقال غير أبي العباس المعنى وما أنتم بمعجزين في الأرض ولو كنتم في السماء وخوطب الناس على ما يعرفون وهذا أولى واللّه أعلم ٢٤وقوله جل وعز { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه اللّه من النار } آية المعنى فحرقوه فأنجاه اللّه من النار ويروى أنه لم تحرق إلا وثا ٢٦وقوله جل وعز { فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي } آية قال الضحاك إبراهيم هاجر وهو أول من هاجر وقال قتادة هاجر من كوثى إلى الش ٢٧وقوله جل وعز { وآتيناه أجره في الدنيا } آية روى سفيان عن حميد بن قيس قال أمر سعيد بن جبير إنسانا أن يسأل عكرمة عن قوله تعالى { وآتيناه أجره في الدنيا } فقال عكرمة أهل الملل كلها تدعيه وتقول هو منا فقال سعيد بن جبير صدق وقال قتادة هو مثل قوله تعالى { وآتيناه في الدنيا حسنة } أي عافية وعملا صالحا وثناء حسنا وذاك أن أهل كل دين يتولونه وقيل { وآتيناه أجره في الدنيا } إن أكثر الأنبياء من ولده ٢٨وقوله جل وعز { ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } آية يروى أنهم أول من نزا على الرج ٢٩ثم قال جل وعز { أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل } آية استفهام فيه معنى التوبيخ والتقرير وقوله جل وعز { وتقطعون السبيل } قيل كانوا يتلقون الناس من الطرق للفساد وقيل أي تقطعون سبيل الو ثم قال جل وعز { وتأتون في ناديكم المنكر } قال مجاهد النادي المجلس والمنكر فعلهم بالرجال قال أبو جعفر المنكر في اللغة يقع على القول الفاحش وعلى الفعل حدثنا محمد بن إدريس بن الأسود قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عبداللّه بن بكر قال حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك عن أبي صالح مولى أم هانئ ابنة أبي طالب رضي اللّه عنها أنها سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت قلت يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه عز وجل { وتأتون في ناديكم المنكر } ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه في ناديهم قال كانوا يضحكون بأهل الطريق ويحذفونهم قال أبو جعفر فسمى اللّه جل وعز هذا منكرا لأنه لا ينبغي للناس أن يتعاشروا به وحدثنا أسامة بن أحمد قال حدثنا عبد الرحمن بن عبداللّه بن عبد الحكم عن يزيد بن بكير عن القاسم بن محمد في قوله تعالى { وتأتون في ناديكم المنكر } قال كانوا يتفاعلون في مجالسهم يفعل بعضهم على بعض قال أبو جعفر قالها الشيخ بالضاد والطاء ٣٢وقوله عز وجل { قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها } آية روى أبو نصر عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم للملائكة إن كان فيهم مائة يكرهون هذا أتهلكونهم قالوا لا قال فإن كان فيهم تسعون قالوا لا إلى أن بلغ عشرين { قال إن فيها لوطا } قالت الملائكة صلى اللّه عليهم { نحن أعلم بمن فيها } قال عبد الرحمن وكانوا أربعمائة أ ٣٣وقوله جل وعز { ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا } قال قتادة أي ساء ظنه بقومه وضاق درعه بضيفه قال أبو جعفر يقال ضقت به ذرعا أي لم أطقه مشتق من الذراع لأن القوة ف ٣٥وقوله جل وعز { ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون } قال مجاهد { آية بينة } أي عبرة وقال قتادة هي الحجارة التي أبقيت وقال غيره يرجم بها قوم من هذه الأ ٣٦ثم قال جل وعز { وإلى مدين أخاهم شعيبا } آية قال قتادة أرسل شعيب صلى اللّه عليه وسلم مرتين إلى أمتين إلى أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة ٣٨وقوله عز وجل { وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم } آية أي وأهلكنا عادا وثمود وقيل التقدير واذكر عادا وثم وقوله جل وعز { وكانوا مستبصرين } آية قال مجاهد أي في الضلالة وقال قتادة أي معجبين بضلالتهم وقيل { وكانوا مستبصرين } أي قد علموا أنهم معذبون وقد فعلوا ما فعلوا ٤٠وقوله عز وجل { فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا } آية أي حصبا وهي الحجارة وهم قوم لوط { ومنهم من أخذته الصيحة } ثمود وأهل مدين { ومنهم من خسفنا به الأرض } قارون وأصحابه { ومنهم من أغرقنا } قوم نوح وفرعون وأصحا ثم أخبر تعالى أنه لم يظلمهم في ذلك فقال { وما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ٤١وقوله جل وعز { مثل الذين اتخذوا من دون اللّه أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا } آية قال قتادة هذا مثل ضربه اللّه عز وجل أي إنه لا ينفع لضعفه كما أن بيت العنكبوت لا ينفع ولا يقي ثم قال جل وعز { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } { لو } متعلقة بقوله { مثل الذين اتخذوا من دون اللّه أولياء كمثل العنكبوت } لو كانوا يعلمون أن أولياءهم لا يغنون عنهم شيئا وأن هذا مثلهم ٤٥وقوله جل وعز { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } آية روى يونس عن الحسن قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من اللّه إلا بعدا وروى علي بن طلحة عن ابن عباس قال في الصلاة منتهى ومزدجر عن المعاصي قال أبو جعفر قيل معنى هذا إن العبد مادام في الصلاة فليس في فحشاء ولا من ثم قال جل وعز { ولذكر اللّه أكبر واللّه يعلم ما تصنعون } روى سفيان عن ابن مسعود وروى عن سلمان وسعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز { ولذكر اللّه أكبر } قالوا ذكر اللّه إياكم أكبر من ذكركم إياه زاد ابن عباس إذا ذكرتموه بعد قوله إياكم ٤٦وقوله جل وعز { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم } روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال من قاتلك ولم يعطك الجزية فقاتله بالسيف وروى معمر عن قتادة هي منسوخة نسخها { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ولا مجادلة أشد من السيف قال أبو جعفر قول قتادة أولى بالصواب لأن السورة مكية وإنما أمر بالقتال بعد الهجرة وأمر بأخذ الجزية بعد ذلك بمدة طويلة وأيضا فإنه قال { وهم صاغرون وقوله جل وعز { وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم } روى سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار قال كان قوم من اليهود يجلسون مع المسلمين فيحدثونهم فأخبروا بذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال لهم لا تصدقوهم ولا تكذبوهم { وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم } إلى آخر الآ ٤٨وقوله جل وعز { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } وكذا صفته صلى اللّه عليه وسلم في التوراة ثم قال تعالى { إذا لارتاب المبطلون } قال مجاهد قر ٤٩ثم قال جل وعز { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } آية في معناه ثلاثة أقوال ا قال الحسن بل القرآن آيات بينات في صدور المؤمنين ب وقال قتادة بل النبي صلى اللّه عليه وسلم آية بينة كذا قرأ قتادة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب ج وقال الضحاك كانت صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه لا يكتب بيمينه ولا يتلو كتابا فذلك آية بينة ٥١وقوله جل وعز { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال أتي النبي صلى اللّه عليه وسلم بكتف فيها كتاب فقال كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عن نبيهم إلى نبي غيره أو إلى كتاب غير كتابهم فأنزل اللّه جل وعز { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } ٥٦وقوله جل وعز { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون } قال سعيد بن جبير إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا وقال عطاء إذا رأيتم المعاصي فاهربوا وقال مجاهد هاجروا واعتزلوا الأوثان قال أبو جعفر القولان يرجعان إلى شيء واحد فقول مجاهد أنهم أمروا بالهجرة ومجانبة أصحاب الأوثان وقال العلماء كذلك إذا لم يقدر أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر خرج وكان حكمه حكم أولئك وقيل أي إن أرض الجنة واسعة فاعبدوني حتى أعطيكمو ٥٨وقوله جل وعز { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا } آية أي لننزلنهم ومعنى { لنبوئنهم } لنعطينهم منازل يثوون فيها يقال ثوى إذا أقام ٦٠وقوله جل وعز { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } آية قال مجاهد الطير والبهائم لا تحمل رزقها وروى الحميدي عن سفيان { لا تحمل } لا تخبئ قال وليس شيء يدخر إلا الإنسان والنملة والفأرة قال أبو جعفر { دابة } تقع لكل الحيوان مما يعقل ولا يعقل إلا أن معناه ههنا الخصوص أي وكم من دابة عاجزة اللّه يرزقها وإياكم ٦٤وقوله جل وعز { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } آية قال مجاهد لا موت فيها وقال قتادة الحيوان الحياة قال أبو جعفر يقال حيوان وحياة وحي كما قال وقد ترى إذ الحياة حي ٦٥وقوله جل وعز { فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدين } آية أي فإذا أصابتهم شدة دعوا اللّه وحده وتركوا ما يعبدون من دونه وقوله جل وعز { فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } أي يدعون معه غيره ٦٦وقوله جل وعز { ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون } { وليتمتعوا } على التهديد وكسر الل ٦٩وقوله جل وعز { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } أي لنزيدنهم ه ثم أخبرنا جل وعز أنه ينصرهم فقال { وإن اللّه لمع المحسنين } تمت سورة العنكبوت |
﴿ ٠ ﴾