٢وقوله عزَّ وجلَّ : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) زعم الأخفش وأبو عبيدة أن معناه هذا الكتاب قال الشاعر. أقول له والرمح يأطر متنه . . . تامَّلْ خُفَافاً إنني أنا ذَلكا قال إنني أنا هذا. وقال غيرهما من النحويين : إِن معناه القرآن ذلك الكتاب الذي وعدوا به على لسان موسى وعيسى - صلى اللّه عليهما وسلم - ودليل ذلك قوله تعالى : (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) وكذلك (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦). فالمعنى هذا ذلك الكتاب. ويجوز أن يكون قوله " (الم ذَلَكَ الْكِتَابُ) فيقال " ذلك " للشيءِ الذي قد جرى ذكره ، فإن شئتَ قلت فيه " هذا " وإنْ شِئتَ قلت فيه " ذلك " ، كقولك انفقت ثلاثة وثلاثة فذلك ستة وإن شئت قلت هذا ستة. كقوله عزَّ وجلَّ في قصة فرعون : (فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللّه نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥). ثم قال بعد ذلك : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦). وقال في موضع آخر : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) ثم قال : (إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (١٠٦). وقال عزَّ وجلَّ (المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ) فقال (ذلك) فجائز - أن : تلك علامات الكتاب ، أي القرآن متكلم به بحروف العرب التي نعقلها على ما وصفنا في شرح حروف الهجاءِ. وموضع (ذلك) رفع لأنه خبر ابتداءٍ على أقول ، من قال هذا القرآن ذلك الكتاب . والكتاب رفع يسميه النحويون عطف البيان نحو قولك : هذا الرجل أخوك فالرجل عطف البيان أي يبين من الذي أشرت إليه ، والاسم من ذلك " ذا " والكاف زيدت للمخاطبة ولاحظ لها في الإعراب قال سيبويه : لو كان لها حظ في الإعراب لقلت : " ذاك نفْسِه زيد ، وهذا خطأ - لا يجوز إلا (هذاك نَفْسُه زيد). (ولذلك " ذانك " يشهد أن الكاف لا موضع لها . لو كان لها موضع لكان جرا بالإِضافة ، والنون لا تدخل مع الإضافة). واللام تزاد مع ذلك للتوكيد ، أعني توكيد الاسم لأنها إذا زيدت أسقطت معها " ها). تقول : ذلك الحق وذاك الحق ، وها ذاك الحق. ويقبح هذلك الحق لأن اللام قد أكدت معنى الإشارة. وكسرت اللام للالتقاء السَّاكنين ، أعني الألف من ذا واللام التي بعدها ، وكان ينبغي أن تكون ساكنة ولكنها كسرتَ لما قلناه. وكذلك يجب أن يكون موضع ذلك رفعاً فيمن جعل ذلك خبراً عن (الم). * * * وقوله عزَّ وجلَّ : (لَا رَيْبَ فِيهِ) معناه لا شك فيه تقول : رابني فلان إذا علمت الريبَة فيه وأرابني إذا أوهمني الريبة قال الشاعر . أخوك الذي إنْ ربتَه قال إنما . . . أرَبتُ وإنْ عاتبته لأن َ جانبه وموضع (لا ريب) نصب ، قال سيبويه : " لا " تعملُ فيما بعدها فتنصبه ونصبها لما بعدها كنصب إن لمَا بعدها إلا أنها تنصبه - بغير تنوين وزعم أنها مع ماب عدها بمنزلة شيءٍ واحد. كأنها جواب قول القائل : هل من رجل في الدار ، فمن غير منفصلة من رجل ، فإنْ قال قائل فما أنكرت أن يكلون جواب هل رجلَ في الدار ؟ قيل : معنى " لا رجل في الدار " عموم النفي ، لا يجوز أن يكون في الدار رجل ولا أكثر منه من الرجال إذا قلت : " لا رجل في الدار ". فكذلك " هل مِنْ رجل في الدار " استفهام عنِ الواحد وأكثر منه ، فإذا قلت : (هل رجل في الدار) (لا رَجُل في الدار) جاز أن يكون في الدار رجلان لأنك إنما أخبَرْتَ أنه ليس فيها واحد فيجوز أن يكون فيها أكثر ، فإذا قلت : لا رجُلَ في الدار فهو نفي عام وكذلك (لَا رَيبَ فِيهِ). وفي قوله (فيه) أربعةُ أوجه : - القراءَةُ منها على وجه واحد ولا ينبغي أنْ يُتَجاوَزَ إلى غَيْره وهو (فيهِ هُدى) بكسر الهاءِ (ويجوز في الكلام وفي القراءة لو كان . قرئ به) (فيهي هدى) بإثبات الواو ، و " فيهي هدي). بإثبات الياءِ. وقد شرحنا هذه الأوجه في إعراب الحمد . فأما قِرَاءَةُ (فيهْ هُدى) بإدغام الهاءَ في الهاء فهو ثقيل في اللفظ ، وهو جائز في القياس لأن الحرفين من جنس واحد إلا أنه يثقل في اللفظ لأن حروف الحلق ليست بأصل في الإدغام والحرفان من كلمتين ، وحكى الأخفش أنها قِراءَة (١). وموضع (هدَى) نصب ، ومعتاه . بيان ونصبه من وجهين أحدُهُما أنْ يكون مَنْصُوباً على الحال من قولك : القرآن ذلك الكتاب هدى ويجوز أن يكون انتصب بقولك : (لا ريْبَ فيه) في حال هدايته فيكون حالاً من قولك لا شك فيه هادياً ، ويجوز أن يكون موضعُه رفعاً من جهات : إحْدَاهَا أن يكون خبراً بعد خبرٍ كأنه قال : هذا ذلك الكتاب هدى ، أي قَد جمع أنه الكتاب الذي وُعدوا به وأنه هدًى كما تقول : هذا حُلو حامض ، تُرِيدُ أنه قد جَمع الطعْمَين ويجوز أن يكلون رفعه على إضمار هو. كأنه لما تمَ الكلام فقيل : (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ) قيل : هو هدى. ويجوز أن يكون رفعه على قولك : (ذَلِكَ الْكَتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ) كأنك قلت ذلك الكتابُ حَقُّا ، لأن لا شك فيه بمعنى حق ثم قَال : بعد ذلك : (فِيهِ هُدًى لِلْمُتقِينَ). |
﴿ ٢ ﴾