٧

وقوله عزَّ وجلَّ : (خَتَمَ اللّه عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧)

معنى ختم في اللغة وطبع (معنى) واحد . وهو التغطية على الشيء.

والاستيثاق - من ألًا يَدْخُله شَيْءٌ

كما قال عزَّ وجلَّ : (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)

وقال جلّ ذكره (كلا بَلْ رَانَ عَلى قُلوبِهِمْ).

معناه غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون.

وكذلك (طبع عليها بكفرهم)

وهم كانوا يسمعون ويبصرون ويعقلون ولكنهم لم يستعملوا

هذه الحواس استعمالًا يجزي عنهم فصاروا كمن - لا يسمع ولا يبصر.

قال الشاعر :

أصم عما ساءَه سميع

وكذلك قوله جلَّ وعزَّ : وَعَلَى أبْصَارِهِمْ غِشَاوَة).

هي الغطاءُ ، فأما  (وعلى سمعهم) وهويريد وعلى أسماعهم ففيه

ثلاثة أوجه : فوجه منها أن السمع في معنى المصدر فَوُحِّدَ ، كما تقول :

يعجبني حديثكم ويعجبني ضربُكُمْ - فوحِّد لأنه مَصْدَر.

ويجوز أن يكون لما أضاف السمع إليهم دل على معنى أسماعهم.

قال الشاعر :

بها جِيَف الحَسْرى فأمَّا عِظامُها . . . فَبيضٌ وأَمَّا جِلْدُها فَصَلِيبُ

ْوقال - الشاعرأيضاً : (لا تُنْكِري الْقَتْلَ وَقَدْ سُبينَا . . . في حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وقد شَجينَا

معناه في حلوقكم ، وقال :

كأنهُ وجه تركييْن قد غَضبَا . . . مستهدَفٍ لطعان غيرِ تَذييبِ

أما (غشاوة) ، فكل ما كان مشتملاً على الشيء فهو في كلام العرب مبني

على "فِعَالة " نحو الغِشاوة ، والعِمَامة ، والقِلاَدَة والعصَابة ، وكذلك أسْمَاء

الصناعات لأن معنى الصناعة الاشتمال على كل ما فيها نحو الخِيَاطة

والقصَارة ، وكذلك على كل من استولى على شيء ما استولى عليه الفِعَالة.

نحو الحِلاَقةِ والإمارَةِ.

والرفع في (غشاوة) هو الباب وعليه مذهب القُرَّاء

والنصب جَائز في النحو على أن  : " وجعل على أبْصَارهم غِشَاوةً ".

كما قال اللّه عزرجل في موضع آخر : (وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة).

ومثيله من الشعر مما حمل على معناه

يا ليتَ بعْلَكِ قد غَدا . . . مُتَقَلداً سيفاً ورمحا

معناه متقلداً سيفاً وحاملاً رمحاً.

ويرري غشوة ، والوجه ما ذكرناه

وإنما غَشْوة رد إلى الأصل لأن المصادر كلها ترد إلى فَعْلة ، والرفع والنصبُ في غَشْوة مثله في غِشَاوة.

* * *

﴿ ٧