١٦

وقوله عزَّ وجلَّ : (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)

أُولَئِكَ موضعُه رفع بالابتداء وخبرُه (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ)

وقد فسَّرنا " واو " اشتروا وكسرتَها فأمَّا من يبدل من الضمة هَمْزَةً فيقول اشترو الضلالة فغالط لأن الواو المضمومة التي تبدل منها همزة إِنَّمَا يُفْعَل بها ذلك إِذا لزمت صفَتُها نحو قوله عزَّ وجلَّ : (وَإذَا الرُّسُلُ أُقَتَتْ) ، إنَّمَا الأصلُ وقَتَتْ وكذلك أَدوَّر ، إنما أصْلها أدور.

وضمة الواو في  (اشترُوا الضلالة)

إنما هي لالتقاء السَّاكنين.

ومثله : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)

لا ينبغي أن تهمزَ الواو فيه.

ومعنى الكلام أن كل من ترك شيئاً وتَمسكَ بغَيْره فالعَرَبُ تقول للذِي

تَمَسكَ به قد اشتراه ، وليس ثم شراءٌ ولا بيع ، ولكن رغبته فيه بتمسكه به

كرغبة المشتري بماله ما يرغب فيه.

قال الشاعر :

اخدْت بالجمَّة رأساً أَزْعَرا . . . وبالثنَايَا الواضِحات الدَّرْدَرَا

وبالطَويل العمر عمْراً أَقصرا . . . كما اشْتَرى الكافِر إذْ تَنَصَّرَا

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ).

معناه فما ربحوا في تجارتهم ، لأن التجارة لا تربح وإنما يربح فيها

ويوضع فيها والعرب تقول قد خسر بيعك وربحت تجارتك ، يريدون بذلك

الاختصار وسعة الكلام قال الشاعر :

وكيف تواصل من أصبحت . . . خلالته كأبي مرحب

يريد كخلالة أبي مرحب ، وقال اللّه عزَّ وجلَّ : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) (والليل والنهار لا يمكران) إنما معناه بل مكرهم في الليل

والنهار.

* * *

﴿ ١٦