٣٦

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)

معناه أنهما أُزِلَّا بإغْوَاءِ الشيطان إياهُمَا ، فصار كأنَّه أزلَّهْمَا ، كما تقول

للذي يعمل ما يكون وصلة إلى أن يزلك من حال جميلة إلى غيرها : أنت

أزْلَلْتَنِي عَنْ هذا ، أي قبولي منك أزلنِي ، فصرت أنتَ المُزيلَ لِي ، ومعنى

الشيطان في اللغة الغالي في الكفر المتبعد فيه من الجن والإنس ، والشطَنُ في

لغة العرب الخَبْل ، والأرض الشطون : البعيدةُ ، وإنما الشيطان فَيْعال من هذا ، (وقد قرئ : (فَأزَالهُمَ الشيطان) من زُلْتُ وأزَالَنِي غيْري . وأزلهما من زَلَلْتُ

وأزَلني غيري ، ولزَللت ههُنا وجهان : يَصْلح أن يكون فأزلهما الشيطان

"أكسبهما الزلة والخَطِيئةَ ، ويصلح أن يكون "فأزلهما نحَّاهما"

وكلا القراءَتين صواب حسن).

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)

جمع اللّه للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - قصة هبوطهم ، وإنما كان إبليس اهبِطَ أولاً.

والدليل على ذلك قوله عزَّ وجلَّ (اخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)

وأهْبط آدمُ - وحواءُ بعد فجمع الخَبرُ للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - لأنهمْ قد اجتمعوا - في الهبوط وإن كانت أوْقَاتُهم متفرقة فيه.

وقوله - (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) إبْليس عدو للمؤْمنين من ولد آدم.

وعداوته لهم كفر ، والمؤمنون أعداءُ إبليس ، وعداوتهم له إيمان.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي مُقَام وثبوت

وقوله (إِلى حِينٍ).

قال قوم : معنى الحين ههنا إلى يوم القيامة ، وقال قوم : إلى فناءِ الآجال

أيْ كلُ مستقر إلى فناءِ أجله ، والحين والزمان في اللغة منزلة واحدة ، وبعض

الناس يجعل الحين في غير هذا المَوْضِع ستة أشهر دليله  (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا).

وإنما (كل حين) ههنا جُعِلَ لمدة معلومة والحين يصلح للأوقات كلها

إلا أنه - في الاستعمال - في الكثير منها أكثر ، يقال ما رأيتُكَ منذُ حين ، تريد منذ حين طويل.

والأصل على ما أخبرنا به.

* * *

﴿ ٣٦