٣٨

وقوله عزَّ وجلَّ : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨)

الفائدة في ذكر الآية أنه عزَّ وجلَّ أعلمهم أنه يبتليهم بالطاعة وأنه

يُجَازِيهم بالجَنةِ عَلَيْها وبالنَّارِ على تَرْكِهَا ، وأن هَذَا الابتلاءَ وقَع عندَ الهبُوط

على الأرض.

وإعراب (إِمَّا) في هذا الموضع إعراب حروف الشرط والجزاءِ ، إلا أن

الجزاءَ إذا جاءَ في الفعل معه النون الثقيلة  الخفيفة لزمتها ما ومعنى

لزومها إياها معنى التوكيد ، وكذلك معنى دخول النون في الشرط التوكيد.

والأبلغ فيما يؤمر العباد به التوكيد عليهم فيه.

وفتح ما قبل النون في  (يَأْتِيَنَّكُمْ) لسكون الياءِ وسكون النون

الأولى ، وجواب الشرط في الفاءِ مع الشرط الثاني وجوابه وهو

(فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ)

وجواب (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) (قوله) (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

و (هُدَايَ) : الأكثر في القراءَة والرواية عن العرب (هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ)

فالياء في (وهُدَايَ) فتحت لأنها أتت بعد ساكن وأصلها الحركة التي هي الفتح

فالأصل أن تقول : هذا غلامِيَ قد جاءَ - بفتح الياءِ - لأنها حرف في موضع

اسم مضمر منع الِإعراب فألزم الحركة كما الزمت " هُوَ " وحذف الحركة

جائز لأن الياء من حروف المد واللين ، فلما سكن ما قبلها لم يكن بد من

تحريكها فجعل حظها ما كان لها في الأصل من الحركة وهو الفتح ، ومن

العرب من يقولون : " هُدَيً وعَصَى " ، فمن قرأ بهذه القراءَة فإنما قلبت

الألف إِلى - الياءِ ، للْيَاءِ التي بعدها ، إِلا أن شَأنَّ يَاءِ الإضافة أنْ يُكْسر ما قَبْلَها ، فجعل بدلَ كَسْرِ ما قَبلها - إِذْ كانت الألف لا يكسر ما قبلها ولا تكسر هي - قَلْبَها ياءً . وطَىءٌ تقول في هُدًى وعَصاً وأفْعًى وما أشبهَ هذا في الوقفِ هُدَيْ وعَصَيْ (وأفعى) ، بغير إِضافة.

وأنشد أبو الحسن الأخفش وغيره من النحويين.

تبَشري بالرفْهِ والماءِ الروَى . . . وفرج منك قريب قد أتَىْ

وبعض العرب يجري ما يجريه في الوقف - في الأصل - مجراه في

الوقف وليس هذا الوجهَ الجيدَ . وزعم سيبويه أن الذين أبدلوا من الألف

الياء ، أبدلوها في الوقف ليكون أبين لها.

وحكى أيضاً أن قوماً يقولون في الوقف حُبْلَوْ ، وأفْعَوْ.

وإِنما يحكي أهل اللغة والعلم بها كل ما فيها ، ليتميز الجيد

المستقيم المطرد من غيره ، ويجتنب غير الجَيِّد . فالباب في هذه الأشياء أن

ئنْطق بها في الوصل والوقف بألفٍ ، فليس إِليك أن تقلب الشيءَ لِعِلةٍ ثم تنطق

به على أصله والعلة لمْ تزل ، فالقراءَة التي ينبغي أن تُلْزم أهي ، (هدَايَ فَلَا خَوْفٌ) إلا أن تثبت برواية صحيحة " هدَيّ " فيقرأ بها . ووجهه من القياس ما وصفنا.

فأمَّا  (هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ).

و (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) فلا يجوز أن يقرأ هذا صراط علاي ، ولا ثمَّ إلاي مرجعكم ، لأن الوصل كان في هذا : " إلآي " و " عَلَاي " ولكن الألف أبْدِلَتْ منها مع المضمرات الياءُ ، ليفصل بين ما آخره مِما يَجب أن نعْرَبَ ويتَمَكن ، ومَا آخره مما لا يجب أن يعرب ، فَقلبَتْ هذه الألف ياءً لهذه العلة.

* * *

﴿ ٣٨