٤١

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)

يعني القرآن ، ويكون أيضاً ، (وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ) بِكِتَابِكم وبِالْقُرْآنِ

إن شئت عادت الهاءُ على قوله (لما معكم) ، وإنما قيل لهم (وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ) لأن الخطاب وقع على حكمائهم فإذا كفروا كفر معهم الأتباع فلذلك قيل لهم : (وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ) فإن قال قائل : كيف تكون الهاءُ لكتابهم ؛ قيل له

إنههم إذا كتموا ذكر النبي - صلى اللّه عليه وسلم - في كتابهم فقد كفروا به كما إنَّه من كتم آية من القرآن فقد كفر به ومعنى (وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) - إذا كان بالقرآن - لا مؤنَةَ فيه.

لأنهم يظهرون أنهم كافرون بالقرآن . . ومعنى (أَوَّلَ كَافِرٍ) أولَ الكافرين ،.

قال بعض البصريين في هذا قولين : قال الأخفش معناه أول منْ كفَر به ، وقال البصريون أيضاً : معناه ولا تكونوا أول فريقٍ كافر به أي بالنبي - صلى اللّه عليه وسلم - وكلا القولين صواب حسن.

وقال بعض النحوين إن هذا إنما يجوز في فاعل ومفعول تقول الجيش

منهزم ، والجيش مهزوم ، ولا يجوز فيما ذكر : الجيش رجل ، والجيش فرس ، وهذا في فاعل ومفعول أبين ، لأنك إذا قلت الجيش منهزم فقد عُلِمَ أنك تريد هذا الجيش فنقطت في لفظه بفاعل لأن  الذي وضع عليه الجيش معنى يدل على جمع ، فهو فَعال . ومفعول يدل على ما يدل عليه الجيش ، وإذا قلت الجيش رجل فإنما يكره في هذا أن يتوهم أنك تقللّه فأمَّا إِذا عرف معناه فهو سائغ : جيد.

تقول : جيشُهُمْ إِنَّما هو فرسٌ ورجُل ، أي ليس بكثير ، الاتباع فيدل  على أنك تريد الجيش خيل ورجال ، وهذا في فاعل ومفعول أبين كما وصفنا.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ).

اللغة العليا والقُدْمَى الفتح في الكاف وهي لغة أهل الحِجَازِ ، والإمالة

في الكاف أيضاً جيّد بالغ في اللغة لأن فاعلا إذا سَلِم من حروف الإطباق

وحروف المستعلية كانت الإمالة فيه سائغةً إلا في لغة أهل الحجاز ، والإمالة لغة بني تميم وغيرهم من العرب ، ولسان الناس الذين هم بالعراق جارٍ على لفظ الِإمالة ، فالعرب تقول : هذا عابد وهو عابد فيكسرون ما بعدها إلا أن

تدخل حروف الِإطباقِ وهي الطاء والظاء والصاد والضاد ، لا يجوز في قولك

فلانٌ ظالم : ظالم ممال ، ولا في طالب : طالب ممال ، ولا في صابر صابر : ممال ، ولا في ضابطٍ : ضابط ممال ، وكذلك حروف الاستعلاءِ وهي : الخاءِ والغين ، والقاف ، لا يجوز في غافل : غافل ممال ولا في خادم : خادم ممال ، ولا في قاهر قاهر : ممال . وباب الإمالة يطول شرحه إلا أن هذا في هذا الموضع هو المقصود وقدر الحاجة.

* * *

﴿ ٤١