٤٨

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)

يعني به يوم القيامة ، وكانت إليهود تزعم أن آباءَها الأنبياء تشفع لها عند

اللّه فأيئَسُهم اللّه من ذلك.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَلا يؤخَذُ منْهَا عَدْلٌ).

العدل ههنا الفِدْية ، ومعنى : (لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا) أي لا

تجزي فيه ، وقيل : لا تجْزِيه ، وحَذْفُ (فيه) ههنا سائغ ، لأن (في) مع الظرف

محذوفة : تقول أتيتك اليوم ، وأتيتك في اليوم ، فإذا أضمرت قلت أتيتك فيه ، ويجوز أنْ تقول أتيْتُكه ، قال الشاعر :

ويوماً شهِدناه سليماً وعامراً . . . قلِيلاً سوى الطَّعنِ النِهال نوافلُه

أراد شهدنا فيه ، وقال بعض النحويين : إن المحذوف هنا الهاء لأن

الظروف عنده لا يجوز حذفها - وهذا قول الكسائي والبَصريون وجماعةٌ من

الكوفيين يقولون : إن المحذوف " فيه ".

وفصَّل النحويون في الظروف ، وفي الأسماءِ غير الظروف فقالوا : إن

الحذف مع الظروف جائز كما كان في ظاهره ، فكذلك الحذف في مضمره ، لو

قلت الذي سرت اليوم ، تريد الذي سرت فيه جائز ، لأنك تقول سرت اليوم وسرت فيه ، ولو قلت : الذي تكلمت فيه زيد : لم يجز الذي تكلمت زيد لأنك تقول تكلمت اليوم وتكلمت فيه ، ولا يجوز في قولك تَكلمْتُ في زيد تكلمْتُ زيداً.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (تُقْبَلُ مِنْهَا شفاعَةٌ).

مرفوع لأنه اسم ما لم يسم فاعله ، والاسم إذا لم يُسَم من فعَل به رُفع

لأن الفعل يصير حديثاً عنه كما كصير حديثاً عن الفاعل ، وتقول : لا يُقْبَلُ منها شفاعةٌ ، ولا تُقْبلُ ، لأن معنى تأنيث ما لا يُنْتجُ غيرحقيقة ، فلك في لفظه في الفعل التذكير والتأنيث ، تقول : قبِل منك الشفاعة ، وقدْ قُبلتْ منك الشفاعة ، وكذلك (فمن جاءَه موعظةٌ) لأن معنى موعظة ووعظ ، وشفاعة وشفع واحد.

فلذلك جاء التذكير والتأنيث على اللفظِ والمعنى وأمَّا ما يعقل ويكون منه

النسل والولادة نحو امراة ورجل ، ، وناقة وجمل فيَصِح في مؤَنثة لفظ التذكير ، ولو قلت قام جارتك ونحر ناقتك كان قبيحاً - وهو جائز على قبحه لأن الناقة والجارة تدلان على معنى التأنيث ، فاجتزئَ بلفظهما عن تأنِيثِ الفعل ، فأمَّا الأسماء التي تقع للمذكرِين وأصحاب المؤنث فلا بد فيها من عَلمِ التأنيث لأن الكلام للفائدة ، والقصد به الإبانة ، فلو سُمَّيت أمراة بقاسم لم يجز أن يقال جاءَني قاسم ، فلا يعلم أمذكراً عَنَيْت أم مؤَنثاً ، وليس إلى حذف هذه التاء - إذا كانت فارقة بين معنيين - سبيل ، كما إنَّه إذا جرى ذكر رجلين لم يجز أن تقول : قد قام ،

ولا يجوز إلا أن تقول قاما ، فعلامة التأنيث فيما فيه اللبس كعلامة التثنية ههنا.

* * *

﴿ ٤٨