٦١

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللّه ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّه وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)

(فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ)

يخرج مجزوم وفيه غير قول :

قال بعض النحويين  سَلْه وقل له أخرج لنا يخرج لنا هو

وقال في قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا التي هِيَ أحسَنُ)

قالوا :  قل لهم قولوا التي هي أحسن أن يقولوا.

وقال قوم : معنى (يخرج لنا) معنى الدعاء كأنَّه قال : أخرج لنا.

وكذلك (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة)

 قل لعبادي أقيموا ، ولكنه صار قبله (ادع) و (قل)

فجعل بمنزلة جواب الأمر.

وكلا القولين مذهب ، ولكنه على الجواب أجود لأن ما في القرآن من

لفظ الأمر الذي ، ليس معه جَازم - مَرفوع

قال اللّه - عزَّ وجلَّ - (تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّه).

ثم جَاءَ بعد تمام الآية (يَغفِرْلكُم)

 آمنوا باللّه ورسوله وجاهدوا يَغفِرْ لكُم .

وقوله عزَّ وجلَّ : (مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا).

في القِثاء لغتان ، يقال القُثاءُ والقِثاءُ (يا هذا) و (قد) قرأ بعضهم

قُثائِها بالضم ، والأجود الأكثر وقثائها بالكسر ، وفومها : الفوم الحنطة ، ويقال الحُبوب وقال بعض النحويين إِنه يجوز عنده الفُومُ ههنا الثوم ، وهذا ما لا يعرف أن الفوم الثوم ، وههنا ما يقطع هذا . محال أن يطلب القوم طعاماً لا

بُرَّ فيه ، والبرُّ أصل الغذاءِ كله ، ويقال فوِّمُوا لنا ، أي اخْبِزُوا لنا.

ولا خلاف عند أهل اللغة أن الفُوم الحنطة ، وسائر الحبوب التي تخبز يلحقها اسم الفوم.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ).

يعني أن المنَّ والسلوى أرفع من الذي طلبتم ، و (أدنى) القراءَة فيه بغير

الهمز وقد قرأ بعضهم " أدْنأ " بالذي هو خير ، وكلاهما له وجه في اللغة إلا

أن ترك الهمزة أولى بالاتباع . أما (أدْنى) غير مهموز ، فمعناه الذي هو أقرب

وأقل قيمة ، كما تقول ، هذا ثوب مقارب ، فأما الخَسيس فاللغة فيه أنه

مهموز ، يقال : دنُوءَ ، دَناءَةً ، وهو دَنِيء بالهمزة ، ويقال هذا أدْنا منه

بالهمزة

وقوله عزَّ وجلَّ : (اهْبطُوا مِصْرًا) الأكثر في القراءَة إثبات الألف.

وقد فرأ بعضهم " اهبطوا مصرَ فإن لكُمْ " بغير ألف ، فمن - قرَأ مصرًا بالألف فله وجهان : جَائِز أنْ يراد بها مصراً من الأمصار لأنهم كانوا في تيه ، وجائز أن يكون أراد مصر بعينها ، فجعل مصراً اسماً للبلد.

فصرف لأنه مذكر سمي مذكراً وجائز أن يكون مصر بغير ألف على أنه يريد مصرًا كما قال عزَّ وجلََّّ :

(ادخُلوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللّه آمِنِين) وإنما لم يصرف لأنه للمدينة فهو

مذكر سمي به مؤَنث.

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ).

(الذِّلَّةُ) : الصغار ، (الْمَسْكَنَةُ) : الخضوع ، واشتقاقه : من السكون.

إِنما يقال مِسْكين للذي أسكنه الفقر ، أي قللَ حركته.

* * *

وقوله جلَّ وعزَّ : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللّه)

يقال بْؤت بكذا وكذا أي احتملته.

* * *

وقوله جلَّ وعزَّ : (ذلك بأنهُمْ كانُوا يكفُروَن بآيَاتِ اللّه).

معنى ذلك واللّه أعلم الغضب حل بهم بكفرهم.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ).

القراءَة المجمع عليها في النبيين والأنبياءِ والبرِئة طرح لهمزة ، وجماعة

من أهل المدينة يهمزون جَمِيعَ ما في القرآن من هذا فيقرأون ، " النبيئين بغير

حق والأنبياء .).

واشتقاقه من نبَّأ وأنْبَأ أي أخبر.

والأجود ترك الهمْزة ، لأن الاستعمال يُوجبُ أن ما كان مهموزاً من فعيل

فجمعه فُعَلاء ، مثل ظريف وظرفاء ونبيء ونُبَآءَ . فإذا كان من ذوات الياءِ

فجمعه أفْعلاءِ ، نحو غني وأغنياء ، ونبي وأنْبياء.

وقدجاءَ أفْعِلاء في الصحيح ، وَهُو قليل ، قالوا خميس وأخْمِسَاء

وأخمس ، ونصِيب وأنْصِبَاءَ ، فيجوز أن يكون نبي مِن أنبأتُ مما ترك همزه

لكثرة الاستعمال ، ويجوز أن يكون من نبَأ ينْبُوءُ إذا ارْتفع ، فيكون فعيلاً من الرفعة.

﴿ ٦١