٨٥

ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)

(ثُم أنْتُم هَؤُلَاءِ) : الخطاب وقع لليهود من بني قريظة وبني النضير.

لأنهم نكثوا ، فقتل بعضهم بعضاً ، وأخرج بعضهم بعضاً من ديارهم وهذا

نقض عهدهم

وقوله عزَّ وجلَّ : (تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

قُرئت بالتخفيف والتشديد ، (تَظَاهَرُونَ) و (تَظَّاهَرُونَ) فمن قرأ بالتشديد

فالأصل فيه تتظاهرون فأدغم التاءُ في الظاءِ لقرب - المخرجين ، ومن قرأ

بالتخفيف فالأصل فيه أيضاً تتظاهرون فحذفت التاءُ الثانية لاجتماع تاءَين.

وتفسير (تظاهرون) تتعاونون ، يقال قد ظاهر فلان فلاناً إذا عاونه منه قوله.

(وكان الكافِرُ على ربه ظهيراً) ، أي معيناً.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (بالإِثْم والعُدْوَانِ).

العُدْوانُ الِإفراطُ في الظلم ؛ ويقَالُ عَدَا فلان في ظلمه عدْواً وعُدُوا

وعُدْواناً ، وعداءً - هذا كله معناه المجاوزة في الظلم.

وقوله عزَّ وجلَّ : (ولاَ تَعْدُوا في السَّبْتِ) إِنما هو من هذا ، أي لا تظلموا فيه

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ).

القراءَة في هذا على وجوه : أسْرَى تَفْدوهم . وأسْرى تُفَادوهم ، وأسَارى

تفادوهم ، ويجوز " أسَارى " ولا أعلم أحد قرأ بها ، وأصل الجمع فُعالى . أعلَم اللّه مناقَضتهم في كتابه وأنه قَد حرَّم عليهم قَتْلَهم وإِخْراجهم من ديارهم ، وأنهم يفادونَهم إِذا أسروا ويقتلونهم ويخرجونهم من ديارهم ، فوبَّخهم فَقال : (فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).

يعني ما نال بني قريظة وبني النضير ، لأن بني النضير أُجْلُوا إِلى الشام

و (بني) قريظة ابيدوا - حكم فيهم بقتل المقاتلة وسبي الذرارى فقال اللّه

عزَّ وجلَّ : (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا) ، ولغيرهم من سائر الكفار الخزيُ في

الدنيا القتل وأخذُ الجزية مع الذلة والصغار.

ثم أعلم اللّه عزَّ وجلَّ أن ذَلك غيرُ مُكَفر عن ذنوبهم ، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى عذاب عظيم فقال (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا) (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

ومعنى (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ).

(هَؤُلَاءِ) في معنى الذين ، وتَقْتُلُونَ صلة لهُؤلاء كقولك ثم أنتم الذين

تقتلون أنفسكم ، ومثلُه  (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى).

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وهُوَ مُحَرم عَلَيْكُم إخراجُهُمْ).

(هو) على ضربين : جائز أن يكون إضمار الإخراج الذي تقدم ذكره.

قال : (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ) وهو محرم عليكم إِخراجهم.

ثم بين لتراخي الكلام أن ذلك الذي - حرم الِإخراج وجائز أن يكون للقصة ، والحديث والخبر ، كأنه قال : والخبر محرم عليكم إِخراجهم - كما قال

عزَّ وجلَّ : (قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ).

أي الأمر الذي هو الحق توحيد اللّه عزَّ وجلَّ

(خِزْيٌَ) يقَال في الشر والسوءِ خزي الرجل خِزْياً ، ويقال في الحياءِ

خزي يخزي خِزَايةً ، ومعنى يردون إلى أشد العذاب ، وعذاب عظيم ، وعذاب أليم أن ، العذاب على ضَربين ، على " قدر المعاصي.

والدليلُ على ذلك قوله عزّ وجلَّ : فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦).

فهذه النار الموصوفة ههنَا لا يدخُلها إلا الكفارِ.

﴿ ٨٥