٨٩

و (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّه مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّه عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩)

تقرأ (جاءَهم) بفتح الجيم والتفخيم ، وهي لغة أهل الحجاز ، وهي اللغة

العليا القُدمى ، والإِمالةُ إلى الكسر لغة بني تميم وكثير من العرب ، ووجهها

أنها الأصل من ذوات الياءِ فأميلت لتدل عدى ذلك ، ومعنى كتابُ اللّه ههنا

القرآن ، واشتقاقه من الكَتْبِ وهي جمع كَتْبة وهي الخرزة وكل ما ضممت

بعضه إلى بعض على جهة التقارب والاجتماع فقد كتبته ، والكَتِيبَة الفرقةُ التي تحارب من هذا اشتقاقها لأن بعضَها منضم إلى بعض ، وسمى كلام اللّه

عزَّ وجلَّ الذي أنزل على نبيه كِتَاباً ، وقُرآنأ وفُرقاناً فقد فسرنا معنَى كتابٍ.

ومعنى قرآن معنى الجمع ، يقال ما قرأت هذه الناقة سَلَّى قط أي لم يَضْطَمَّ

رحمُها على ولد قط - قال الشاعر :

هِجَانِ اللَّون لم تَقْرأ جَنِيناً

قال أكثر النَّاس : لم تَجْتمع جنيناً أي لم تضم رحمها على الجنين.

وقال قُطْرب في قرآن قولين ، أحدهما هذا ، وهو المعروف الذي عليه أكثر

الناس ، والقول الآخر ليس بخارج من الصَّحَّة وهو حسن - قال - لم تقرأ

جنيناً - لم تلقه (مجموعاً).

وقال يجوز أن يكون معنى قرأت لفظت به

مجموعاً . كما أن لفظت من اللفظ ، اشتقاقه من لَفَظْتُ كذا وكذا ، إذا ألقيته ، فكأن قرأت القرآن لفظت به مجموعاً.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (مصدقٌ لِمَا مَعَهُمْ).

أيْ يصدقُ بالتوراة والإنجيل ويخبرهم بما في كتبهم مما لا يعلم إلا

بوحي  قراءَة كُتُبٍ ، وقد علموا أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - كان أمياً لا يكتب.

و (وكَانُوا منْ قَبْلُ يسْتَفْتِحُونَ على الَّذين كَفَرُوا).

ضم (قَبْل) لأنها غاية ، كان يدخلها بحق الإعراب الكسرُ والفتحُ ، فلما

عدلت عن بابها بنيت على الضم ، فبنيت على ما لم يكن يدخلها بحق

الِإعراب ، وإنما عدلت عن بابها لأن أصلها الِإضافة فجعلت مفردة تُنْبئُ عن

الِإضافة ،  ، وكانوا من قبل هذا.

ومعنى : (يَسْتَفْتِحُونَ على الَّذِين كَفَرُوا).

- فيه قولان : قال بعضهم كانوا يخبرون بصحة أمر النبي - صلى اللّه عليه وسلم -.

وقيل وكانوا يستفتحون على الذين كفروا : يَسْتنْصرون بذكر النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فلما جاءَهم ما عرفوا :

أي ما كانوا يستنصرون وبصحته يخبرون ، كفروا وهم يوقنون أنهم معْتَمِدُون

للشقاق عداوة للّه.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَلَعْنَةُ اللّه عَلَى الْكَافِرِينَ).

قد فسرنا اللعنة ، وجوابُ (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ) محذوف لأن معناه

معروف دلَّ عليه فلما جاءَهم ما عرفوا كفروا به .

﴿ ٨٩