٩٠

وقوله عزَّ وجلَّ : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللّه بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللّه مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (٩٠)

بئس إذا وقعت على " ما " جُعِلت معها بمنزلة اسم منكور ، وإنما ذلك في

نعم وبئس لأنهما لا يعملان في اسم علم ، إنما يعملان في اسم منكور دال على جنس ،  اسم فيه ألف ولام يدل على جنس ، وإنما كانتا كذلك لأن نعم مستوفية لجميع المدح ، وبئس مُسْتوفية لجميع الذم ، فإذا قلت نعم الرجل زيد فقد استحق زيد المدح الذي يكون في سائر جنسه.

قال أبو إسحاق وفي نِعْم الرجلُ زيد أربع لغات نَعِم الرجل زيد ، ونعِمَ الرجل زيد ، وبعْم الرجل زيد ، ونَحْمَ الرجل زيد ، وكذلك إذا قلت بئس الرجل ، دلَلْتَ على أنه استوفى الذم الذي يكون في سائر جنسه ، فلم يجز إذ كان يستوفى مدح الأجناس أن يعمل في غير لفظ جنس ، فإذا كان معها اسمُ جنس بغير ألف ولام فهو نصْبٌ أبداً ، وإذا كانت فيه الألف واللام فهو رفْع أبداً ، وذلك كقولك نِعْم رجُلاً زَيْد ، ونعم الرجُل زيد ، فلما نصب رجل فعلى التمييز ، وفي نعم اسم مضمر على شريطة التفسير ، وزيد مبين مَنْ هذا الممدوح ، لأنك إذا قلت نعم الرجل لم يعلم من تعني ، فقولك زيد تريد به هذا الممدوح هو زيد.

وقال سيبويه والخليل جميعَ ما قلنا في نعم وبئس ، وقالا إِنْ شئتَ رفعت

زيداً لأنه ابتداءٌ مَؤخَّر . كأنك قلت حين قلت نعم رجلًا زيد ، نعم زيد نعم الرجل ، وكذلك كانت " ما " في نعم بغير صلة لأن الصلة توضح وتخصص ، والقصد فىِ نعم أن يليها اسم منكورٌ  جنس ، فقوله (بئْسما اشْتَرَوْا به أنفسهم) بئس شيئاً اشتروا به أنفسهم.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللّه).

موضعه رفع :  ذلك الشيءُ المذموم أن يكفروا بما أنزل اللّه .

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَنِعِمَّا هيَ) ، كأنه قال فنعم شيْئاً هي ، وقال قوم إنَّ نعم مع ما بمنزلة حَبَّ مع ذا ، تقول حبَّذَا زيد ، وحبذا هي ونعِما هي والقول الأول هُو مذهب النحويين وروى جميع النحويين بئسما تزوييج ولا مَهْر والمعنى فيه بئس شيئاً تزويج ولا مهر.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللّه بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللّه مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ).

معناه أنهم كفروا بغياً وعداوة للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - لأنهم لمْ يُشكَّوا في نبوته - صلى اللّه عليه وسلم - وإنما حَسَدوه على ما أعطاه اللّه من الفضل ،  : كفروا بغياً لأنْ نزَّلَ اللّه الفضل

عَلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - ، ونصب بغيا أنهم مفعولاً له ، كما تقول فعلتُ ذلك حذَرَ السر أي لحذر الشر كأنك قلت حَذَرْت حذَراً ، ومثله من الشعر قول الشاعر وهو

حاتم الطائي :

وأعْفرُ عوراءَ الكريم ادِّخَارَه . . . وأعرض عن شتم اللئيم تكرماً

 أغفر عوراءَ الكريم لادّخَارِه ، وأعرضُ عنْ شتم اللئيم للتكرم.

وكأنه قال : أذخر الكريم ادخاراً ، وأتكرم على الكريم تكرماً ، لأن قوله أغفر عوراءَ الكريم معناه أدخر الكريم ، وقوله وأعرض عن شتم اللئيم تكرماً معناه أتكرم على اللئيم ، وموضع أن الثانية نصب ،  أن يكفروا بما أنزل اللّه

لأن ينزل اللّه ، أي كفروا لهذه العلَّةِ ، فشرحه كهذا الذي شرحناه.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) : معنى باءُوا في اللغة

احتملوا ، يقال قد بْؤت بهذا الذنْبِ أيَ تحملته - ومعنى بِغَضبٍ على غَضَبٍ - فيه قولان :

قال بعضهم : بغَضبٍ من أجل الكفر بالنبي - صلى اللّه عليه وسلم - على غَضبٍ على الكفر بعيسى - صلى اللّه عليه وسلم - يعني بهم إليهود.

وقيل (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) أي بإثْم استحقوا به النار على إِثم تَقَدم أي استحقوا به أيضاً النَّارَ.

* * *

﴿ ٩٠