٩٦

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللّه بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٩٦)

يعني به علماءَ إليهود هؤلاءِ ،  أنك تجدهم في حال دعائهمْ إلى تمنى

الموت أحرص الناس على حياة.

ومعنى (لَتَجِدَنَّهُمْ) لَتَعْلَمَنَّهَم.

وَمَعْنى (وَمِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا) أي وَلَتَجِدَنَهُمْ أحْرَصَ من الذين أشركوا ، وهذا نهاية في التمثيل.

والذين أشركوا هم المجوس ومن لا يُؤمن بالبعث.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ).

ذكرت الألْفُ لأنها - نهايةُ ما كانت المجوس - تدْعُو به لمُلوكها - كان الملك

يُحَيَّا بأن يقال عش ألفَ نَيْبُروزٍ وَألْفَ مِهْرَجَانٍ.

يقول فهؤُلاءِ الذين يزعمون أن لهم الجنة ، وأنَّ نعيم الجنة له الفضل

لاَ يتمنون - الموت وهم أحرص مِمَّن لا يُؤمن بالبعث ، وكذلك يجب أن يكون هُؤلاءِ لأنهم كُفَّار بالنبي - صلى اللّه عليه وسلم - وهو عِنْدهُم حق ، فيعلمون أنهم صائرون إِلى النارِ لا محالة ، فهم أحْرصُ لهذه العلة ، ولأنهم يعلمون أنهم لو تمنوا الموت لماتوا ، لأنهم علموا أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - حق لولا ذلك لما أمسكوا عن التمني ، لأن التمني من واحد

منهم كان يثبت قولهم.

وإِنما بالغنا في شرح هذه الآيات لأنها نهاية في الاحتجاج في تثْبِيتِ أمْرِ

النبي - صلى اللّه عليه وسلم -.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ).

هذا كناية عن (أحدهم) الذي جرى ذكره ، كأنه قال : وما أحدهم

بمزحزحه من العذاب تعميره ، ويصلح أن تكون " هو " كناية عما جرى ذكره - من طول العمر ، فيكون : وما تعميره بمزحزحه من العذاب ، ثم جعل - أن يعمر مبنياً عن " هو " كأنَّه قال : ذلك الذي ليس بمزحزحه

(أن يعمر).

وقد قال قوم : إن (هو) لِمَجْهول وهذا عند قوم لا يصلح في " ما " إذا

جاءَ في خبرها الباءِ مع الجملة : لا يجيز البصريون : " ما هو قائما زيد.

يريدون ما الأمر قائماً زيد ، ولا كان هو قائماً زيد ، يريدون ما الأمر قائماً

زيد ؛ ولا كان هو قائماً زيد ، يريدون كان الأمر قائماً زيد وكذلك لا يجيزون ما هو بقائم زيد يريدون ما الأمْرُ.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَاللّه بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).

شرحه تقدم في الآية التي قبل هذه

وتقول في يود : وددت الرجل أودة وُدًّا أبيْ وِداداً ومودة " وودادة

وحكى الكسائي ودَدْتُ الرجلَ والذي يعرفه جميع الناس ودِدْتُه ، ولم يحك إلا ما سَمِع إِلا أنه سمع ممن لا يجب أن يؤْخذ بلغته ، لأن الإجماع على تصحيح

أوَدُّ ، وأوَدُّ لَا يكون ماضيه ودَدَتً.

فالإجماع يُبْطِل وَدَدْتُ . أعني الإجماع في قولهم أودُ.

* * *

﴿ ٩٦