١٢٥

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)

(مثابة) يثوبون إِليه ، والمثاب والمثابة واحد ، وكذلك المقام والمقامة.

قال الشاعر :

وإنِّي لَقَوَّامٌ مَقَاوِمَ لم يكن . . . جريرٌ ولا مَوْلَى جريرٍ يقومُها

وواحد المقاوم مقام - وقال زهير :

وفيهم مقامات حسان وجوهها . . . وأنْديَة يَنْتَابُها القولُ والفعلُ

وواحد المقامات مقامة . والأصل في مثابة مَثْوَبَة . ولكن حركة الواو

نقلت إلى التاءِ ، وتبعت الواو الحركة فانقلبت ألفاً ، وهذا إِعلال إتباع ، تبع

مثابة باب " ثاب " وأصل ثاب ثَوَبَ ، ولكن الواو قلبت ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها لا اختلاف بين النحويين في ذلك.

وهذا الباب فيه صعوبة إلا أن كتابنا هذا يتضمن شرح الِإعراب

والمعاني فلا بد من استقصائها على حسب ما يعلم.

ومعنى  (وَأَمْنًا) : (قيل) كان من جنى جناية ثم دخل الحرم لم يقم عليه الحد ، ولكن لا يبايع ولا يكلم حتى يضطر إِلى الخروج منه ، فيقام عليه الحد.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)).

قرئت " واتخذوا " بالفتح والكسر : وَاتَخَذُوا ، واتَّخِذوا روى أن عمر بن

الخطاب قال للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - وقد وقفا على مقام إبراهيم : أليس هذا مقامَ خليل ربنا ؟ . " وقال بعضهم مقامَ أبينا " ، أفَلا نتخذه مصلى ؛ فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فكان الأمر . والقراءَة (واتخذوا)

بالكسر على هذا الخبر أبين . ولكن ليس يمتنع " واتخَذُوا " لأن الناس

اتخذوا هذا ، فقال : (وإِذ جعلنا البيت مثابة) (واتخذوا) فعطف بجملة

على جملة.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).

معنى (طَهِّراه امنعاه من تعليق الأصنام عليه ، والطائفون هم الذين يطوفون

بالبيت ، والعاكفون المقيمون به ، ويقال قد عَكَف يعكُف وَيعْكِف على الشيءِ عُكُوفاً أي أقام عليه ، ومن هذا قول الناس : فلان معتكف على الحَرام ، أي مقيم عليه.

(والرُّكعِ السَجود) سائر من يُصلي فيه من المسلمين.

و (بيْتِيَ) : الأجود فيه فتح الياءِ ، وإن شئت سكَّنتها ، والرُّكًع جمع راكع ، مثل غاز وغُزًى ، والسجود جمع ساجد ، كقولك : ساجد وسجود ، وشاهد وشهود.

* * *

﴿ ١٢٥