١٣٠وقوله عزَّ وجلَّ : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإنَهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) معنى (مَنْ) التقرير والتوبيخ ، ولفظها لفظ الاستفهام وموضعها رفع بالابتداءِ ، والمعنى ما يرغب عن ملة إبراهيم إلا مَنْ سَفه نَفْسَه ، والملَّةُ قد بيناها وهي السُّنَّة والمذهب ، وقد أكْثَر النحويونَ واختلفوا في تفسير (سفه نفسه) ، وكذلك أهل اللغة ، فقال الأخفش : أهل التأويل يزعمون أن (سَفَه نفسه) ، وقال يونس النحوي : أراها لغة ، . وذهب يونس إلى أن فَعِل للمبالغة ، - كما أن فعُل للمبالغة فذهب في هذا مذهب التأْويل ، ويجوز على هذا القول سَفِهْتُ زيداً بمعنى سَفهْتَ زيداً ، وقال أبو عبيدة معناه أهلك نفسه ، وأوْبَق نفسه ، فهذا غير خارج من مذهب أهل التأويل ومذهبِ يونس. وقال بعض النحويين : إِن نفسه منصوب على التفسير ، وقال التفسير في النكرات أكثر نحو طاب زيدٌ بأمره نفسا ، وقَر بِه عيْناً وزعم أن هذه المُفَسِّرات المعارف أصل الفعل لها ثم نقل إِلى الفاعل نحو وجِعَ زيدٌ رأسَه ، وزعم أن أصل الفعل للرأس وما أشبهه ، وأنه لا يجيز تقديم شيءٍ من هذه المنصوبات وجعل (سفه نفسه) من هذا الباب. قال أبو إسحاق : وعندي أن معنى التمييز لا يحتمل التعريف لأن التمييز إِنما هو واحد يدل على جنسٍ خلة تخلص من خلال فإذا عرفه صار مقصوداً قصده ، وهذا لم يقله أحد ممن تقدم من النحويين. وقال أبو إِسحاق : إِن (سفه نفسه) بمعنى سفُه في نَفْسه إِلا أن " في " حُذِفَتْ ، كما حذفت حروف الجر في غير موضع. قال اللّه عزَّ وجلَّ : (ولا جناح عليكم أنْ تسترضعوا أولادكم). والمعنى أن تسترضعوا لأولادكم ، فَحُذِفَ حرف الجرّ في غير ظرف ، ومثله قوله عزَّ وجلَّ : (ولا تعزموا عقدة النكاح) أي على عقدة النكاح ومثله قول الشاعر : نُغالي اللحمَ للأضيافِ نَيْئاً . . . ونَرْخُصُهُ إذا نَضِجَ القدورُ : نغالي باللحم ، ومثله قول العرب : ضرب فلان الظهر والبطن والمعنى : على الظهر والبطن . فهذا الذي استعمل من حذف حرف الجر موجود في كتاب اللّه ، وفي إشعار العرب وألفاظها المنثورة ، وهو عندي مذهب صالح. والقول الجَيِّد عندي في هذا أن سفه في موضع جهل ، فالمعنى : - واللّه أعلم - إلا من جهل نفسه ، أي لم يفكر فى نفسه. كقوله عزَّ وجلَّ : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) ، فوضع جهِل. وعدى كما عدى. فهذا جميع ما قال الناس في هذا ، وما حضرنا من القول فيه. * * * وقوله عزَّ وجلَّ : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا). معناه اخترناه ولفظه مشتق من الصفوة. (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ). فَالصالحُ في الآخرة الفائز. * * * |
﴿ ١٣٠ ﴾