١٧٣وقوله عزَّ وجلَّ : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّه فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣) النَّصبُ في (الميتةَ) وماعطف عليها هو القراءَة ، ونصبه لأنه مفعول به ، دخلت " ما " تمنع إنَّ من العمل ، ويليها الفعل ، وقد شرحنا دخول ما مع إن ، ويجوز إِنَما حرم عليكُم الميْتَةُ ، والذي أختاره أن يكون ما تمنع أن من العمل ، ويكون ما حرم عليكم إِلا الميْتةَ ، والدم ولحم الخنزير ، لأن " إنما " تأتي إِثباتاً لما يذكر بعدها لما سواه. قال الشاعر : أنا الزائد الحامي الذمار وإنما . . . يدافع عن أحسابهمْ أنا مثلي ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا مثلي ، فالاختيار ما عليه جماعة القراءِ لإتباع السنة ، وصحته في . . ومعنى (مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّه). أي ما رُفَعَ فيه الصوتُ بتسمية غير اللّه عليه وهذا موجود في اللغة. ومنه الإهلال بالحج إنما هو رفع الصوت بالتلبية. والميتة أصلها الميِّتَةُ ، فحذقت الياءُ الثانية استخفافاً لثقل الياءين والكسرة والأجود في القراءَة الميْتَةُ (بالتخفيف). وكذلك في (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) أصله من كان ميِّتاً بالتشديدَ ، وتفسير الحذف والتخفيف فيه كتفسيره في الميتة. * * * وقوله عزَّ وجلَّ : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ). في تفسيرها ومعناها ثلاثة أوجه : قال بعضهم (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ) ، أي فمن اضطر جائعاً غير باغ - غير آكلها تلذذاً - ولا عاد ولا مُجَاوِزٍ ما يدفع عن نفسه الجوع ، فلا إِثم عليه . وقالوا : - (غَيْرَ بَاغٍ) غير مجاوز قدر حاجته وغير مقصِر عما يقيم به حياته ، وقالوا : أيضاً : معنى غيرباغ على إمَام وغيرمتعد على أمتِه ، ومعنى البغي في اللغة ، قصد الفساد ، يقال : بَغَى الجَرْحُ يبغي بغياً ، إذا ترامى إلى فساد ، هذا إجماع أهل اللغة ، تقول ويقال بغى الرجل حاجته يَبْغِيهَا بِغَاءً. والعرب تقول خرج في بِغَاءٍ إبله قال الشاعر : " لا يمْنعنكَ من بِغاءِ الخير تعقادُ التمائم إنَّ الأشائم كالأيامن والأيامنُ كالأشائم ويقال بغت المرأة تبغي بِغَاءً إذا فجرت : قال اللّه عزَّ وجلَّ : (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) أي على الفجور ويقال : ابتَغَى لفلان أنْ يفعل كذا : أي صلح له أن يفعل كذا وكأنه قال : طلب فعل كذا فانطلب له ، أي طاوعه ، ولكن اجتزئ بقولهم - ابتغى ، والبغايا في اللغة شيئان ، البغايا الفواجر ، والبغايا الإماء ، قال الأعشى : والبغَايا يركضن أكْسية ألا . . . ضْرِيج والشرعَبيَّ ذَا الأذيالِ ونصب (غَيْرَ بَاغٍ) على الحال. * * * |
﴿ ١٧٣ ﴾