٢١٢

وقوله عزَّ وجلَّ : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّه يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢١٢)

رُفِعَ على ما لم يسم فاعله ، و (زُيِّنَ) جاز فيه لفظ التذكير ، ولو كانت زُيِّنَت

لكان صواباً . وزين صواب حسن ، لأن تأنيث الحياة ليس بحقيقي ، لأن معنى

الحياة ومعنى العيش واحد ، وقد فُصِلَ أيضاً بين الفعل وبين الاسم المؤنث .

وقيل في قوله (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) قولان :

قال بعضهم زينها لهم إِبْلِيس ، لأن اللّه عزَّ وجلَّ قَد زَهَّد فيها وأعلم أنها متاع الغرور.

وقال بعضهم : معناه أن اللّه عزَّ وجلَّ خلق فيها الأشياءَ المعجبة فنظر إليها الذين كفروا بأكثر من مقدارها ، ودليل قول هُؤلاءِ قوله تعالى :

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)

وكلٌّ جائز.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا).

كان قوم من المشركين يسخرون من المسلمين لأن حالهم في ذات اليد

كانت قليلة ، فأعلم اللّه - عزَّ وجلَّ - بأن الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة . لأن المسلمين في عليين والفجَّارَ في الجحيم ، قال اللّه - عزَّ وجلَّ -

(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩).

ومعنى : (واللّه يَرْزقُ مَنْ يَشَاءُ بغَيْر حِسَابٍ).

أي ليس يَرْزُق المؤمنَ على قدر إيمانه ولا يَرزُقُ الكافرَ على قدر كفره.

فهذا معنى (بغير حساب) - أي ليس يحاسبه بالرزق في الدنيا على قدر العمل ، ولكن الرزق في الآخرة على قدر العمل وما يتفضل اللّه به جلَّ وعزَّ.

﴿ ٢١٢