٢١٣

قوله عزَّ وجلَّ : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّه الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّه يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)

أي على دين واحد ، والأمة في اللغة أشياءُ ، فمنها الأمة الدين ، وهو

هذا ، والأمة القَامة يقال فلان حسن الأمَّة ، أي حسن القامة.

قال الشاعر :

وأن معاوية الأكرمين حِسَان الوجُوه طوال الأمَمْ

أي طوال القامات ، والأمة القرن من الناس ، يقولون قد مضت أمَمٌ أي

قرون ، والأمة الرجَل الذي لا نظير له.

ومنه قوله عزَّ وجلَّ - (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للّه حَنِيفًا).

قال أبو عبيدة معنى (كَانَ أُمَّةً) كان إمَاماً ، والأمة في اللغة النَعْمَةُ والخير.

قال عدي بن زيد.

ثم بعد الفلاح والرشد والأمَّةِ وارتْهُمُ هناك القبور.

أي بعد النعمة والخير ، وذكر أبو عمرو الشيباني أن العرب تقول للشيخ

إذا كان باقي القوة فلان بِأمَّةٍ ، ومعناه راجع إلى الخير والنعمة ، لأن بقاءَ

قوته من أعظم النعمة ، وأصل هذا كله من القصد ، يقال أمَمْتُ الشيءَ إذا

قصدْتُه ، فمعنى الأمة في الدين أن مقصدهم مقصد واحد ، ومعنى الأمة في

الرجل المنفرد الذي لا نظير له ، أن قصده منفرد من قصد سائر الناس.

ويروى أن زيد بن عدي بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده وإنما

ذلك لأنه أسلم في الجاهلية قبل مبعث النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فمات موحداً فهذا أمة في وقته لانفراده ، وبيت النابغة :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة . . . وهل يأثمن ذو أمَّةٍ وهو طائع

ويروى ذو أمَةَ ، وذو إمة ، ويحتمل ضربين من التفسير : ذو أمة : ذو دين

وذو أمة : ذو نعمة أسْدَيَتْ إليه ، ومعنى الأمة القامة : سائر مقصد الجسد.

فليس يخرج شيء من هذا الباب عن معنى أممت أي قصدت ، ويقال إِمامنا

هذا حَسنُ الأمة أي يقوم بإمامتهِ بنَا في صلاته ويحسن ذلك.

وقالوا في معنى الآية غيرَ قول : قالوا كان الناس فيما بين آدم ونوح

عليهما السلام - كُفاراً ، فبعث اللّه النبيين يبشرون من أطاع بالجنة ، وينذرون من عصي بالنار ، وقال قوم : معنى كان الناس أمَّة واحدةً ، كان كل من بعث إليه الأنبياءِ كفاراً :

(فَبَعَثَ اللّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)

ونصب (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) على الحال ، فالمعنى أن أمم الأنبياءِ الذين

بعث إليهم الأنبياءَ كانوا كفاراً - كما كانت هذه الأمة قبل مبعث النبي - صلى اللّه عليه وسلم.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ).

أي ليفصل بينهم بالحكمة.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ).

أي ما اختلف في أمر النبي - صلى اللّه عليه وسلم - إلا الذين أعْطُوا علمَ حَقيقتِهِ.

و (بَغْيًا بَيْنَهُمْ) نصب (بَغْيًا) على معنى مفعول له ،  لم يوقعوا الاختلاف إلا

للبغي ، لأنهم عالمون حقيقة أمره في كتبهم.

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَهَدَى اللّه الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ).

أي للحق الذي اختلف فيه أهل الزيغ.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (بِإِذْنِهِ) أي بعلمه ، أي من الحق الذي أمَرَ به.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

أي إلى طريق الدين الواضح ، ومعنى (يَهْدي من يشاءُ) : يدله على طريق

الهدى إذا طلبه غير متعنت ولا باغ.

* * *

﴿ ٢١٣