٢٣٤وقوله عزَّ وجلَّ : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤) هذا للمتوفى عنها زوجُهَا ، عليها أن تنتظر بعد وفاته إِذا كانت غير ذاتِ حمْل أربعةَ أشْهُر وعشْراً لا تتزوج فيهن ولا تستعمل الزينة. وقال النحويون في خبر (الذين) غير قول : قال أبو الحسن الأخفش المعني يتربصن بعدهُمْ بعد موتهم ، وقال غَيْرُه من البصريين أزوَاجُهُمْ يتربصن ، وحذف أزواجهم لأن في الكلام دليلاً عليه ، وهذا إطباق البصريين وهو صواب. وقال الكوفيون : وهذا القول قول الفراءِ وهو مذهبه أنَّ الأسماءَ إِذا كانت مضافة إِلى شيءٍ ، وكان الاعتماد في الخبر الثاني ، أخبر عن الثاني وتُرِكَ " الإخبار عن الأول ، وأغنى الإِخبارُ عن الثاني عن الإخبار عن الأول. قالوا : فالمعنى : وأزواج الذين يتوفون يتربصن. وأنْشَد الفَراءُ : لَعَلِّي إِنْ مالَتْ بي الرّيحُ ميْلَةً . . . على ابن أبي ذَبَّانَ أن يتقدما : لعل ابن أبي ذُبَّان أن يتقدم إِليَّ مالت بِي الريح ميلة عليه. وهذا القول غير جائز . لا يجوز أن يَبْدَأ اسم ولا يحدَّث عنه لأن الكلام إِنما وضع للفائدة ، فما لا يفيد فليس بصحيح ، وهو أيضاً من قولهم محال ، لأن الاسم إنما يرفعه اسم إذا ابتدئ مثله ذكر عائد عليه ، فهذا على قولهم باطل ، لأنه لم يأت اسم يرفعه ولا ذكر عائد عليه. والذي هو الحق في هذه المسألة عندي أن ذكر (الذين) قد جرى ابتداءً وذكر الأزواج قد جرى متصلاً بصلة الذين ، فصار الضمير الذي في (يَتَرَبَّصْنَ) يعود عَلَى الأزواجِ مضافاتٍ إِلى الَّذِينَ . . كأنك قلت : يتربَّصُ أزواجهم ، ومثل هذا من الكلام قولك الذي يموت ويُخلف ابنَتَينِ ترثان الثلثين ، ترث ابنتاه الثلثين. ومعنى قوله عزَّ وجلَّ : (وَعَشْرًا) يدخل فيها الأيام. زعم سيبويه أنك إِذا قلت " لخمس بَقِينَ " فقد علم المخاطب أن الأيام داخلة مع الليالي ، وزعم غيره أن لفظ التأنيث مغلَّبٌ في هذا الباب. وحكى الفرَّاءُ صُمْنَا عَشْراً من شهر رمضان ، فالصوم إنَّما يكون في الأيَّامِ ولكن التأنيث مغلَّبٌ في الليالي - لِإجْمَاعِ أهل اللغة " سرْنَا خَمْساً بيْنَ يوْمٍ وليلة " أنشد سيبوبه : فطافت ثلاثأ بيْنَ يوم وليلة . . . يكون النكير أنْ تَصيح وتَجْأرَا قال سيبوبه هذا باب المؤَنث الذي استعمل للتأنيث والتذكير ، والتأنيث أصله ، قال تقول : عندي ثلاث بطات ذكور وثلاث منَ الِإبل ذكور ، قال لأنك تقول : هذه إبل ، وكذلك ثلاث من الغنم ذكور. (قال) فإن قلت عندي ثلاثة ذكورٍ من الِإبل لم يكن إلا التَّذكير ، لأنك إِنما ذكرت ذكوراً ثم جئت تقول من الإبل بعد أن مضى - الكلام على التذكير ، وليس بين النحويين البصريين والكوفيين خلاف في الذي ذكرنا من باب تأنيث هذه الأشياءِ فإن قلت عندي خمسة بين رجل وامرأة غلبت التذكير لا غير. * * * وقوله عزَّ وجلَّ : (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أي غَاية هذه الأشهر والعشر. (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ). أي لا جناح عليكم في أن تتركوهن - إذا انقضت هذه المدة - أن يتزوجن ، وأن يتزين زينةً لا ينكر مثلها. وهذا معنى (بالمعروف). * * * |
﴿ ٢٣٤ ﴾