٢٥٩

وقوله عزَّ وجلَّ : ( كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللّه بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّه مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا  بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩)

هذا الكلام معطُوف على معنى الكلام الأول ، والمعنى - واللّه أعلم -

أرأيت كالذي مرَّ على قَريةٍ ، والقرية في اللغة سميت قرية لاجتماع الناس

فيها ، يقال قرَيْتُ المَاءَ في الحوضِ إِذَا جمعتُه.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَهِيَ خَاوِية عَلَى عُرُوشِهَا).

معنى (خاوية) : خالية - و (عروشها) - قال أبو عبيدة : هي الخِيَام وهي

بيوت الأعراب ، وقال غير أبي عبيدة : معنى (وهي خاوية على عروشها) بَقِيَتْ حيطانُها لا سُقُوف لها.

ويقال خَوتِ الدار والمدينة تخْوي خَواءً - ممدود - إِذا خلت من أهلها ، ويقال فيها : " خَوِيَتْ " والكلام هو الأول - ويقال للمرأة إِذا

خَلَا جوفُها بعدَ الولادةِ وللرجل إِذا خَلا جوفُه من الطًعامِ - قدْ خوِيَ ويخْوَى

خَوًى - مقصور - وقد يقال فيه خَوَى يخْوِي - والأولُ فِي هَذَا أجود.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللّه بَعْدَ مَوْتِهَا).

معناه منُ أيْنَ يُحيي هَذه اللّه بعْدَ مَوْتِهَا.

وقيل في التفسير إِنه كان مؤمناً وقد قيل إِنه كان كافراً ، ولا ينكر أن

يكون مُؤْمناً أحبَّ أن يزداد بصيرة في إِيمانه فيقول : ليت شعري كيف تُبْعَثُ

الأموات كما قال إبراهيم عليه السلام : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى).

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَأَمَاتَهُ اللّه مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ).

معناه ثم أحياه لأنه لا يُبْعث ولا يتصرف إِلا وهو حي.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (كَمْ لَبِثْتَ).

ْيقرأ بتبيين الثاءِ ، وبإِدغام الثاءِ في التاءِ ، وإِنما أدغمت لقرب

المخرجين.

ومعنى : (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا  بَعْضَ يَوْمٍ) أنه كان أميت في صدر النهار ثم

بعث بعد مائة سنة في آخر النهار ، فظنُ أنَّ مقدار لبثه ما بين أول النهار

وآخره ، فأعلمه اللّه أنه قد لبث مائة عام وأراه علامة ذلك ببلَى عظام حماره ، وأراه طَعَامَه وشَرَابه غير متغير وأراه كيف ينْشِز العِظَامَ ، وكيف تُكْتسَى اللحمَ.

فقال : (فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ).

يجوز بإِثبات الهاءِ وبإِسقاط الهاءِ في الكلام ، ومعناه لم تغيره

السنون ، فمن قال في السنة سانهت فالهاء من أصل الكلمة ، ومن قال في

السَّنَة سَانَيت فالهاء زيدت لبيان الحركة ، ووجه القراءَة على كل حال إثباتُها

والوقوف عليها بغير وصل فمن جَعَلَهُ سانيت ووصلها إِن شاءَ  وقفها على

من جعله من سانهت ، فأما من قال : إِنه من تغير من أسِنَ الطعام يأسَنُ فخطأٌ.

وقد قال بعض النحويين إِنه جائز أن يكون من (التغيير) من قولك من حمإٍ

مسنون وكان الأصل عنده " لم يتسنن " ولكنه أبدل من النون ياءً كما قال :

تقضي البازي إِذا البازي كَشَرْ.

يريد تقضض ، وهذا ليس من ذاك لأن " مسنون " إنما هو مَصْبُوب على

سنة الطريق.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وانْظُرْ إِلى العِظامِ كيْف نُنْشِزُها).

يقرأ (نُنْشِزُها) بالزاي ، ونُنْشِرُها ، ونَنْشُرُهَا بالراءِ ، فمن قرأ (نُنْشِزُها) كان

معناه نجعلها بعد بِلاها وهجودها ناشزه ينشز بعضها إِلى بعض ، أي يرتفع.

والنَشَزُ في اللغة ما ارتفع عن الأرض ، ومن قرأ (نُنْشِرُها) ، و (نَنْشُرُها) ، فهُو من أنْشَر اللّه الموتى ونشرهم - وقد يقال نَشَرهم اللّه أي بعثهم ، كما قال : (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).

وقوله عزَّ وجلَّ : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

معناه : فلما تبين له كيف إِحياء الموتى.

قال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، فإن كان كلما قيل أنه كان مؤمناً ، فتأويل ذكره : (أَعْلَمُ أَنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ليس لأنه لم يكن يعلم قبل ما شاهد ولكن تأويله : أني قد علمت ما كنت أعلمه غيباً - مشاهدة ، ومن قرأ (اعْلَمْ أن اللّه على كل شي قدير) فتأويله إذا جزم أنه يُقْبل على نفِسه فيقول : " اعْلَمْ أيها الِإنسان أن اللّه على كل شيءٍ قدير " -

والرفع على الِإخبار.

* * *

﴿ ٢٥٩