١٩وقوله جلَّ وعزَّ : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّه فَإِنَّ اللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩) لك في (جَاءَهم) الفتح والتفخيم ، ولك الإمالة نحو الكسر فأما الفتح فلغة أهل الحجاز ، وهي اللغة العليا القدمى وأما جاءَهم " بالكسر " فلغة تميم. وكثير من العرب وهي جيدة فصيحة أيضاً. فالذي يميل إلى الكسر يدل على أن الفعل من ذوات الياءِ والذي يفتح فلأن الياء قد انقلبت صورتها إلى الألف وفي الألف حظها من الفتح . وكل مصيب. ونصب (بَغْياً) ب (اختلفوا) والمعنى اختلفوا بغياً ، أي للبغي ، لم يختلفوا لأنهم رأوا البصيرة والبرهان. قال الأخفش : " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغياً بينهم إلا من بعد ما جاءَهم العلم " ، والذي هو الأجود أن يكون بغياً منصوباً بما دل عليه (وما اختلف) فيكون اختلفوا بغياً بينهم. (ومن يكفر بآيات اللّه فإن اللّه سريع الحساب) أي سريع الحساب له. والجزم هو الوجه في (ومن يكفر) وهي القراءَةُ ولو قرئت بالرفع لكان له وجه من القياس ولكن الجزم أجود وأفصح في . ومعنى (سريع الحساب) أي سريع المجازاة له كما قال : (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ هُوَ أَقْرَبُ) وقالوا : جائز أن يكون (سريع الحساب) سريع التعريف للعامل عمله - لأنه جل ثناؤُه - عالم بجميع ما عملوا لا يحتاج إِلى إثبات شيءٍ وتذاكر شيء. ونصب (قائماً بالقسط) حال مَؤكدة لأن الحال المَؤكدة تقع مع الأسماءِ في غير الإشارة ، تقول إنه زيد معروفاً وهو الحق مصدقاً ولا إله إلا هو قائما بالقسط. والقسط في اللغة العدل : قال اللّه - (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) أي بالعدل ، ويقال أقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار والعادل مقسط والجَائِر قَاسِط - ْ قال اللّه : (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي اعدلوا إن اللّه يحب العادلين. وقال : (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا). فإن قال قائل : فمن أين جاءَ من لفظ القسط ما معناه الجور وأصله العدل ؟ فإِنما ذلك كقولك عدل الرجل على القوم يعدل عدلا ومعْدِلة. وَمَعْدَلَةً ، إذا هو أنصفهم ، وَعَدَلَ عَن الحق عدْلاً إِذَا جَارَ ، فكذلك جاءَ من لفْظ القَسْطِ ما مَعْناه الجور كما جاءَ ما معناه العَدْلُ. * * * |
﴿ ١٩ ﴾