٣٧أي : جعلته خادماً يخدم في متعَبَّداتِنا ، وكان ذلك جائزاً لهم ، وكان على أولادهم فرضاً أن يطيعوهم في نذرهم ، فكان الرجل ينذر في ولده أن يكون خادماً في متعبَّده ولعبَّادهم ، ولم يكن ذلك النذر في النّساءِ إِنما كان ذلك في الذكورة ، فلمَّا ولدت امراة عمران مريم قالت : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى) وليست الأنثى مما يصلح للنذر ، فجعل اللّه عزَّ وجلَّ من الآيات في مريم - لِمَا أراده اللّه من أمر عيسى - أن جعلها متقبَّلة في النذر فقال عزَّ وجلَّ : (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّه إِنَّ اللّه يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧) الأصل في العربية : بتقبُّل حسن ، ولكن قبول محمول على قوله قَبِلَهَا قَبُولاً حسناً ، يقال : قَبِلْتُ الشيءَ قَبولاً حَسَناً ، (ويجوز قُبُولا) إذا رَضِيتَهُ. وقَبِلَتْ الريح قَبُولاً وهي تَقْبُل ، وقَبِلْت بالرجل أقْبَلُ قبالةْ ، أي كفلت به ، وقد روى قَبِلْتُ بالرَجل في معنى كفلت به على مثال فَعِلت ، ويقال : سقى فلان إبله قَبَلاً . أي صب الماءَ في الحوض وهي تشرب منه فأصابها ، وكل ما عاينت قلت فيه أتَاني قُبُلا ، أي معاينة ، وكل ما استقبلك فهو قبل (بالفتح). وتقول لا أكملك إِلى عشر من ذي قِبَل وقَبَل ، قَبَل إلى عشر مما نشاهده من هذه الأيام ، ومعنى " قَبِل " عشر نَسْتَقْبلها ، ويقال : قَبلت العين تقبل قبلا إذا أقبل النظر على الأنف. وقوله عزَّ وجلَّ : ( يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (٥٥). وقِبَلا وقَبَلا : كله جائز ، فمن قرأ (قُبُلا) فهو جمع قَبِيلٍ وقُبُل مثل رَغيفَ ورُغُف ، : يأتيها العذاب ضُروباً ومن قرأ " قِبَلا " بالكسر فالمعنى : يأتيهم العذاب معاينة ، ومن قرأ (قَبَلًا) بالفتح فالمعنى : ( يأتيهم العذاب مقابلا ، والقَبْلة : جمع قَبْل شبيهة بالفَلْكةِ ، أي بفلكة المِغزل تكون في القلادة. ومعنى : (وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) أي جعل نشوءَها نشوءًا حسناً ، وجاءَ " نباتا " على غير لفظ أنبت ، على معنى نبت نباتاً حسناً. * * * وقوله عزَّ وجلَّ : (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا). في هذا غير وجه ، يجوز : (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاءُ) - بالمدّ - ، " كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّاءُ " ، (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) - بالقصر " كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا " بالقصر. وفي (زَكَرِيَّا)ثلاث لغات هي المشهورة المعروفة - زكرياءُ بالمد وزكريا - بالقصر غير منون في الجهتين جميعاً ، وزكريّ بحذف الألف معرب منون . فإما ترك صرفه فلأن في آخره ألفى التأنيث في المد . وألف التأنيث في القصر ، وقال بعض النحويين : إنه لَم يُصرف لأنَّه أعجميّ ، وما كانت فيه ألف التأنيث فهو سواء في العربية والعجمية . لأن ما كان أعجميا فهو يتصرف في النكرة ، ولا يجوز أن تصرف الأسماءُ التي فيها ألف التأنيث في معرفة ولا نكرة لأن فيها علامةَ التأنيث وأنها مصوغة مع الاسم صيغة واحدة ، فقد فارقت هاءَ التأنيث فلذلك لم تصرف في النكرة. ويجوز (كفلها زكرياءَ) بنصب زكرياء ، ويجوز في هذا الموضوع زكريا بالقصر ، فمن قرأ (كَفَّلَهَا زَكَرِيَّاءُ) رفعه بفعله ، فالمعنى فيما ذكر أبو عبيدة ضمنها ، ومعناه في هذا ضمن القيام بأمرها. ومن قرأ (كفلها زكرياءَ) بالنصب - فالمعنى : وكفلها اللّه زكرياءَ ، وأما اللغة الثالثة فلا تجوز في القرآن لأنها مخالفة المصحف ، وهي كثيرة في كلام العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ : (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ). القصر والمد في زكريا . والقراءَة بهما كثيرة كما وصفنا و (المحراب) : أشرف المجالس والمقدم فيها ، وقد قيل إن مساجدهُمْ كانت تسمى المحاريب ، والمحراب في اللغة الموضع العالي الشريف. قال الشاعر : ربَّة محراب إذا جئتها . . . لم ألقها أوأرتقى سلما ومنه قوله عزَّ ونجل : (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) ونصب (كُلَّمَا ب (وجد) أي يجد عندها الرزق في كل وقت يدخل عليها المحراب - فيكون ما مع دخل بمنزلة الدخول - أي كل وقت دخول. وقوله عزَّ وجلَّ (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ). أي من أين لك هذا. (هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّه). وإِنما سأل زكريا عن الرزق لأنه خاف أن يأتيها - من غير جهته فتبين عنده أنه من عند اللّه ، وذلك من آيات مريم ، قال اللّه تبارك وتعالى : (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) فمن آياتها أنها أول امرأة قُبلت في نذر في المتعبد. ومنها أن اللّه أنشأ فيها عيسى - عليه السلام - من كلمة ألقاها إليها ، ومنها أن اللّه عزَّ وجلَّ - غذاها برزق من عنده لم يجْرِهِ على يد عبد من عبيده ، وقد قيل في التفسير أنَّها لم تُلْقَمْ ثدياً قط. ومعنى (إِنَّ اللّه يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ). أي بغير تقتير ، و (حساب). إِن شئت فتحت الأَلف وألزمتها جهة الفتح ، وإن شئت أملتها إِلى الكسر ، لانكسار الحاءِ ، وذلك كثير في لغة العرب. * * * |
﴿ ٣٧ ﴾