٥٢وقوله عزَّ وجلَّ : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّه آمَنَّا بِاللّه وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) معنى أحسَّ فى اللغةَ علمَ وَوَجَدَ ، ويقال هل أحَسْتَ في معنى هل أحْسَسْتَ ويقال حَسَيْت بالشيء إذا عَلِمْته وعرفتُه " وأنشد الأصمعي : سِوى أنَّ العِتاقَ من المطايا . . . أَحَسْنَ به فَهُنَّ إليه شُوسُ ويقال حَسَّم القائِد ، أي قَتَلَهمْ. ومعنى : (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللّه). جاءَ في التفسير من أنْصاري مع اللّه ، و (إلى) ههنا إنما قاربت (مع) معنى بأن صار اللفظ لو عبر عنه بـ " مع " أفاد مثل هذا ، لا أنَ (إلى) في معنى " مع " لو قلت ذهب زيد إلى عمرو لم يجز ذهب زيد مع عمرو ، لأن (إلى) غاية و " مع " تضم الشيءَ إلى الشيءِ فالمعنى : يضيف نصرته إياي إلى نصرة اللّه. وقولهم إنَّ ، (إلى) في معنى (معَ) ليس بِشيءٍ . والحروف قد تقاربت في الفائدة. فَيَظن الضعيف العِلم باللغة أن معناهما واحد . من ذلك قوله جلَّ وعزَّ : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) ولوكانت (على) ههنا . لأدَّت هذه الفائدة ، لأنك لو قلت لأصلبنكم على جذوع النخل كان مستقيماً. وأصل (في) إنما هو للوعاءِ ، وأصل " على " لِمَا مع الشيء. كقولك : التمر في الجراب . ولو قلت التمر على الجراب لم يصلح في هذا ، ولكن جازَ (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) لأن الجذْعَ يشتمل على المَصْلوب ، لأنه قد أخذه من أقطاره . ولو قلت زيد على الجبل وفي الجبل يصلح ، لأن الجبل قد اشتمل على زيد ، فعلى هذا مجاز هذه الحروف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ : (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّه). قال الحذاق باللغة : (الحواريون) : صفوة الأنبياءِ عليهم السلام الذين خلصوا وأخلصوا في التصديق بهم ونصرتهم فسماهم اللّه جلَّ وعزَّ : (الحواريون) وقد قيل أنهم كانوا قَصارين فسموا الحواريين لتبييضهم الثياب ، ثم صار هذا الاسم يستعمل فيمن أشبههم من المصدقين تشبيهاً بهم. وقيل إِنهم كانوا ملوكاً وقيل كانوا صيادين ، والذي عليه أهل اللغة أنهم الصفوة كما أخبرتك. ويروى عن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - إنَّه قال : الزبير ابن عمتي وحَوَارِيِّي من أمتي. ويقال لنساءِ الأنصار حَوارياتٌ ، لأنهن تباعدن عن قشف الأعرابيات بنظافتهن. وأنشد أبو عبيدة وغيره لأبي جلدة اليشكري فقل للحواريات يبكين غيرنا . . . ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح وقال أهل اللغة في المحور وهو العود الذي تدور عليه البكرة قولين. قال بعضهم : إِنما قيل له محور للدوران لأنه يرجع إلى المكان الذي زال منه ، - وقيل إِنما قيل له محور لأنه بدورانه ينصقل حتى يصير أبيض ، ويقال دقيق حُوَّارَى من هذا أي قد أخذ لبابه وكذلك عجين مُحَوَّرٌ للذي يمسح وجهه بالماءِ حتى يصفو ، ويقال عين حوراءَ إِذا اشتد بياضها وخلص واشتد سوادها ، ولا يقال امرأة حوراءَ إِلا أن تكون مع حور عينها بيضاءَ ، وما روي ، في الحديث : " نعوذ باللّه من الحَوَرِ بعد الكوَرِ " معناه نعوذ باللّه من الرجوع والخروج عن الجماعة بعد الكوَرِ. أي بعد أن كنا في الكور ، أي في الجماعة يقال كارَ الرجل عمامة إِذا لفَّها على رأسه ، وحار عمامَتَهُ إذا نقضها ، وقد قيل : " بعد الكون " ومعناه بعد أن كنا على استقامة ، إلا أن مع الكون محذوفاً في الكلام دليلاً علبه. * * * |
﴿ ٥٢ ﴾