٦١وقوله جلَّ وعزَّ : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّه عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) أي في عيسى. (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ). قيل له هذا بعد أن أوحِيَتْ إِليه البراهين والحجَجُ الْقَاطِعَة في تَثْبِيتِ أمرِ عيسى إنَّه عبد ، فأمِرَ بالمُبَاهَلَةِ بعد إقامة الحجة ، لأن الحجة قد بلغت النهاية في البيان فأمر اللّه أن يجتمع هو والنساء والأبناء من المؤمنين ، وأن يدعوهم إلى أن يتجمعوا هم وآباؤهم ونساؤُهم ، ثم يبتهلون ومعنى الابتهال في اللغة المبالغة في الدعاءِ ، وأصله الالتعان ويقال بَهَلَهُ اللّه أي لَعَنَهُ اللّه ، ومعنى لَعَنَة اللّه باعَدَهُ اللّه من رحمته ، يقال : ناقة بَاهل وباهلة إذا لم يكن عليها صِرَار ، وقد أبهل الرجل ناقته إذا تركها بغير صرار ورجل باهل إذا لم يكن معه عصا . فتأويل الْبَهْل في اللغة المباعدة والمفارقة للشيء. فدعاهم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى المباهلة لأمرين كلاهما فيه بيان أن علماءَهم قد وقفوا على أن أمر النبي - صلى اللّه عليه وسلم - حق لأنهم إذْا أبوا أن يلاعنوا دل إِباؤُهم على أنهم قد علموا أنهم إن باهلوه نزل بهم مكروه ، وأنهم إِذا تركوا المبالهة دل ذلك ضَعَفَهمْ. ومن لا علم عنده أن فرارهم من المباهلة دليل على أنهم كاذبون ، وأن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - صادق ، وقيل إِن بعضهم قال لبعض : إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة. ويروى عن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - أنَّه قال : " لو باهلوني لاضطرم الوادي عليهم ناراً ، وما بقي نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة ". وهذا مكان ينبغي أن يُنْعَمَ النظر فيه ، ويعلم المؤمنون بيان ما هو عليه. وما عليه من الضلال مَنْ خالفهم ، لأنهم لم يَروِ أحَدٌ أنهم باهلوا النبي - صلى اللّه عليه وسلم - ولا أجابوا إلى ذلك. * * * |
﴿ ٦١ ﴾