٩١ذلك قوله عزَّ وجلَّ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٩١) لأن الكافر الذي يعتقد الكفر ويظهر الإيمان عند اللّه كمظهر الكفر لأن الإيمان هو التصديق والتصديق لا يكون إلا بالنية. ومعنى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَباً). أي لو عمل من الخير وقدم ملء الأرض ذهباً يتقرب به إلى اللّه لم ينفعه ذلك مع كفره. قال أبو إسحاق : وكذلك لو افتدى من العذاب بملءِ الأرض ذهباً لم يقبل منه . فأعلم اللّه عزَّ وجلَّ أنه لا يُثيبُهُمْ على أعمالهم بالخير ولا يقبل منهم الفداءَ من العذاب. وقال بعض النحويين أن الواو مسقطة - قال فلن يُقبل من أحدهم ملءُ الأرض ذهباً لو افتدى به - وهذا غلط لأن الفائدة في الواو بينة وليست الواو مما يلغي . يقال ملأت الشيء أملؤه مَلئاً ، المصدر بالفتح لا غير - قال سيبويه والخليل : الملءُ - بفتح الميم - الفعل. وتقول : هذا ملءُ هذا أي مقدار ما يملؤُه. كما يقال : رَعَيْت رَعْياً والمال في الرعي فهذا فرق بين. وقال بعض النحويين : يقال مَلأتُ مَلْئاً ومُلْئاً وهذا غلط بين لأن الموصوف ههنا إنه لو ملك مقدار ما يملأ الأرض ما قبل منه ، وليس يقال . إن قدر أن يفعل ، أي أن يملأ الأرض ، إنما المتقرب به الذهب الذي هو ملءُ الأرض ، لا أن يَملأ : يقال ملأت الشيء مَلْئاً وقد مَلئَ فلان مَلأً وهو مملوءٌ إذا زكم والملأ أشراف القوم ، وتَقول أنت أملأ بهذا أي أثرى وأوثق ، ورجل مَلِيءٌ بين الملاءَة ، يا هذا. فأما ما يكتبه الكتاب ، أنت المَلِيُّ بالياءِ فخطأ وهم مجمعون عليه ، هذا غلط . والمُلَاءَةُ التي تلبس ، ممدود ، والمُلَاوَةُ من الدهر القطعة الطويلة ، ومن هذا قولهم . أبْلِ جَديداً وتَمَل حَبيباً أي عش مع حبيبك دهراً طويلًا. و (ذهباً) منصوب على التمييز - قال سيبويه وجميعُ البصريين : إن الاسم المخفوض قد حال بين الذهب وبين الملء أنْ يكون جرًّا وحقيقة تفْسيره : أن ما يملؤُهُ من الذهب وكذلك إذا قلت : عندي عشرون درهماً أي ما يُعادِل هذا المقدارَ من الدراهِم. وجائز أن يكون - واللّه أعلم قوله - عزَّ وجلَّ - : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠). يعني إليهود لأنهم كانوا تائبين في وقت إيمانهم بالنبي - صلى اللّه عليه وسلم - قبل مبعثه ، فأعلم اللّه أن تلك التوبة وذلك الإيمانَ ليْسَ بمقبُول ، لأنهم كفروا بعده وزادوا كفراً ، فإن كفرهم بما كان ينزل على النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وقتاً بعد وقت زيادة في الكفر - وكذلك الِإقامة عليه زيادة فيه. * * * |
﴿ ٩١ ﴾