٩٦

وقوله عزَّ وجلَّ - (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦)

قيل : إنه أول مسجد وضع للناس ، وقيل : إنه أول بيت وضع للحج.

ويقال : إنه البيت المعمور وأن الملائكة كانت تحجه من قبل آدم ، وإنه البيت

العتيق . فأما بناؤُه فلا شك أن إبراهيم بناه.

قال اللّه تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا) أي يَقولان : رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا.

فأما المقْدِس فسليمان بناه . وخبر (إِنَّ) هو (لَلَّذِي بِبَكَّةَ).

وهذه لام التوكيد ، وقيل : إن بكة موضع البيت وسائر ما حوله مكة . والإجماع أن بكة ومكة الموضع الذي يحج الناس إِليه ، وهي البلدة ، قال اللّه - عزَّ وجلَّ : ((بِبَطْنِ مَكةَ) وقال : (لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا).

فأما اشتقاقه في اللغة : فيصلح أن يكون الاسم اشتق من إلَبك ، وهوبك

الناس بعضُهم بعضاً في الطواف أي دفع بعضهم بعضاً ، وقيل : إنما سميت

ببكة لأنها تبك أعناق الجبابرة.

ونصب (مُبَارَكًا) على الحال.

 : الذي بمكة في حال بركته.

(وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) يجوز أن يكون هُدًى لِلْعَالَمِينَ في موضع رفع.

 : وهو هدى للعالمين.

فأماَ مكة - بالميم فتصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق بكة والميم تبدل

من الباءِ ، يقال : ضربة لازب ولازم ، ويصلح أن يكون الاشتقاق من قولهم : " امْتَكَّ الفصيل " ما في ضرع الناقة إذا مص مصاً شديداً حتى لا يُبْقِي فيه

شيئاً . فتكون سميت بذلك لشدة الازدحام فيها -

والقول الأول أعني البدل أحسن.

ومعنى(أَوَّلَ) في اللغة - على الحقيقة ابتداءُ الشيءِ فجائز أن يكون

المبتدأ له آخر ، وجائز أن لا يكون له آخر فالواحد أول العدد والعدد غير متناه ، ونعيم الجنة أول وهو غير منقطع ، وقولك : هذا أول مال كسبته جائز ألا يكون

بعده كسب ، ولكن إرادتك : (هذا ابتداءُ كسبي).

ولو قال قائل : أولُ عبد أملِكُه فهو حرٌّ ، فملك عبداً أعتق ذلك العبد ، لأنه قد ابتدأ الملك فجائز أن يكون (أَوَّلَ بيتٍ) هو البيت الذي لم يكن الحج إلى غيره.

* * *

﴿ ٩٦