١٠٣

(وقوله جلَّ وعزَّ : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)

(جَمِيعًا) منصوب على الحال  : كونوا مجتمعين على الإعتصام به.

وتفسير (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه) ، أي استمسكوا بعهد اللّه.

والحبل في لغة العرب : العهد.

قال اَلأعشى.

وإِذا أجوز بها حبال قبيلة . . . أخذت من الأخرى إليك حَبالها

ومعنى (وَلَا تَفَرَّقُوا) : أي تناصروا على دين اللّه وأصل تفرقوا تتفرقوا

إلا أن التاءَ حذفت لاجتماع حرفين من جنس واحد في كلمة ، والمحذوفة الثانية لأن الأولى دالة على الاستقبال فلا يجوز حذف الحرف الذي يدل على

الاستقبال وهو مجؤوم بالنهي ، الأصل ولا تتفرقون فحذفت النون لتدل على

الجزم.

* * *

وقوله جلَّ وعزَّ : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).

ذكَّرهم اللّه بعظيم النعمة عليهم في الإسلام لأنهم كانوا في جاهليتهم

يقتل بعضهم بعضاً ، ويستبيح كل غالب منهم من غلبه فحظر عليهم الإِسلام

الأنفس والأموال إلا بحقها ، فعرفهم اللّه - عزَّ وجلَّ - ما لهم من الحظ في العاجل في الدخول في الإسلام .

وقيل نزلت في الأوس والخزرج . لأنهم كانت بينهم في الجاهلية حروب

دائمة قد أتت عليها السنون الكثيرة ، فأزال الإسلام تلك الحروب وصاروا

إخواناً في الإسلام متوادين على ذلك ، وأصل الأخ في اللغة أن الأخ مقصدُه

مقصد أخيه ، وكذلك هويْ الصداقة أن تكون إرادة . كل واحد من الأحخوين موافقة لما يريد صاحبه والعرب تقول : فلان يتوخى مسار فلان أي يقصد ما يسره.

وقوله جل وعلا : (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ).

أي كنتم قد أشرفتم على النار وشفا الشيءُ ، حرفه مقصور يكتب

بالألف ، وثثنيته شفوان ، وقال - (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) ، ولم يقل منه لأن المقصود في الخبر النار . أي فأنقذكم منها بالنبي - صلى اللّه عليه وسلم -.

وقوله جل وعلا - (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ آيَاتِهِ).

الكاف في موضع نصب .  مثل البيان الذي يتلى عليكم يبين اللّه

لكم آياته.

ومعنى (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)

أي لتكونوا على رجاءِ هدايته.

* * *

﴿ ١٠٣