١٠٤

وقوله جل وعلا : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤)

اللام مسكنة وأصلها الكسر ، الأصل ولتَكن منكم ولكن الكسرة حذفت

لأن الواو صارت مع الكلمة كحرف واحد وألزمت الحذف ، وإِن قرئت

ولتكن - بالكسر - فجيد على الأصل ، ولكن التخفيف أجود وأكثر في كلام العرب.

ومعنى - (ولتكن منكم أمَّةٌ) - واللّه أعلم - ولتكونوا كلكم أمَّة تدعون إلى

الخير وتأمرون بالمعروف ، ولكن " مِن " تدخل ههنا لتخص المخاطبين من سائر الأجناس وهي مؤَكدة أن الأمر للمخاطبين ومثل هذا من كتاب اللّه

(فاجتنبوا الرجس من الأوثان) ليس يأمرهم باجتناب بعض الأوثان ، ولكن

 اجتنبوا الأوثان فإِنها رجس ومثله من الشعر قول الشاعر :

أخو رغاتب يعطيها ويُسْالُها . . . يأبى الظلامة منه النوفل الزفر

أي هو النوفل الزفر ، لأنه قد وصفه بإعطاءِ الرغائب ، والنوفل الكثير

الِإعطاءِ للنوافل ، والزفر الذي يحمل الأثقال.

والدليل على أنهم أمروا كلهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله جل

وعلا : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).

ويجوز أن تكون أمرت منهم فرقة ، لأن قوله (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) ذكر الدعاة إِلى الِإيمان ، والدعاة ينبغى أن يكونوا علماءَ بما يدعون إِليه

وليس الخلق كلهم علماءَ والعلم ينوب فيه بعض الناس عن بعض ، وكذلك

الجهاد.

وقوله جل وعلا : (وَأولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).

أي والذين ذكرناهم المفلحون ، والمفلح الفائز بما يغتبط به.

و (هم) جائز أن يكون ابتداءً و (المفلحون) خبر أولئك و (هم) فصل ، وهو الذي يسميه الكوفيون العماد.

* * *

﴿ ١٠٤