٩٠وقوله عزَّ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) فالخمر معروف وهو ما خامر العقل ، وقد فسرناه ، والميسرُ القَمارُ كله ، وأصله إنَّه كان قماراً في الجزور ، وكانوا يقسمون الجَزورَ في قول الأصمعي على ثمانية وعشرين جزءاً ، وفي قول أبي عمرو الشيباني على عشرة أجزاء ، وقال أبو عبيدة لا أعرف عَدَدَ الأجزاء ، وكانوا يضربون عليها بالقداح وهي سهامُ خَشبٍ . لها أسماء نبينها على حقيقتها في كتابنا إِن شاءَ اللّه ، فيحصل كل رجل من ذلك القمار على قدر إِمكانه ، فهذَا أصْل الميْسرِ ، والقمار كلُّه كالميْسر وقد بيَّنَّا الأنصاب والأزلام في أول السورة. فأعلمَ اللّه أن القِمارَ والخَمرَ والاسْتِقْسَامَ بالأزْلامِ وعبادةَ الَأوثان رجسٌ. والرجس في اللغة اسم لكل ما استُقْذِرَ من عمل ، فبالغ اللّه في ذَمَ هذه الأشياء ، وسماها رجْساً ، وأعلم أَن الشيطان يُسَوِّلُ ذلك لِبَني آدم ، يقال رَجِسَ الرجلً يَرْجَسُ ، ورجَسَ يَرْجُسُ ، إِذَا عمل عملاً قبيحاً ، والرجْسُ بفتح الراء شِدَّةُ الصوْتِ ، فكان الرجس العمل الذي يقبح ذكره ، ويرتفع في القبح. ويقال سحاب ورَعْد رجَّاسٌ إِذا كان شديد الصوت. قال الشاعر : وكل رَجَّاسٍ يَسُوقَ الرُّجَّسَا وأمَّا الرجز بالزاي فالعذابُ ، العمل الذي يَؤدي إِلى العذاب. قال اللّه : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) أي كشفت عنا العذاب ، و (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قالوا عبادة الأوثان. وأصل الرجْز في اللغة تتابع الحركات ، فمِنْ ذلك قولهم رجزاءَ إِذا كانت ترتعد قوائمها عند قيامها. ومن هذا رَجَزُ الشَعر لأنه أقْصَر أبيَاتِ الشَعْرِ ، والانتقال فيه من بيت إلى بيت سريع نحو يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع ونحو قولهم : صَبْراً بَنِي عَبْدِ الدارِ ونحو قولهم : ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا وزعم الخليل أن الرجَزَ ليس بشعر ، وإِنما هو أنصاف أبْيَات أَثلاث. ودليل الخليل في ذلك ماروي عن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - : ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا وتأتيك من لم تزوَّدْ بالأخبار. قال الخليل : لوكان نصف البيت شعراً ما جرى على لسان النبي - صلى اللّه عليه وسلم - سَتُبدِي لك الأيَّامُ مَا كَنْتَ جَاهِلاً وجاءَ النصف الثاني على غير تأْليف الشعر ، لأن نصف البيت لا يقال له شِعرٌ ولا بَيتٌ ، ولو جاز أن يقال لنصف البيت شعر لقيلَ لِجُزْءٍ منه شعر. وجرى على لسان النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فيما روَى : أَنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال بعضهم : إِنما هوَ لا كذِبَ أنا ابن عبد المطلب ، بفتح الباءِ على الوصل. قال الخليل : فلو كان شعراً لم يجر على لسان النبي - صلى اللّه عليه وسلم -، قال اللّه : (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ) ، أي ما يَسَفَل له. قال الأخفش كان قول الخليل إِن هذه الأشياءَ شعرٌ ، وأنا أقول : إِنها ليست بشعر ، وذكر أنه ألْزَم الخليلَ أن الخليل اعتقده. ومعنى الرجز العذاب المُقَلْقِلُ لشدتِه قلْقَلةً شَدِيدَةً متتابعة. ومعنى فاجتَنِبُوهَ : أَي اتركوه . واشتقاقه في اللغة كونوا جانباً منه أي في ناحية. * * * |
﴿ ٩٠ ﴾