٩٧

وقوله جلَّ وعزَّ : (جَعَلَ اللّه الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّه يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللّه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧)

قيل إِنما سُمِّيتِ الكعبةَ لتربيع أعلاها.

ومعنى (قِياماً للناسِ) أي مما أمِروا بِه أن يقوموا بالفرض فيه.

وكذلك : (والشَهْرَ الحَرامَ والهَدْيَ والقَلائِدَ).

فأمَّا مَن قَال إِنه أمن فلأنَّ اللّه قال : (وَمَنْ دَخَله كَانَ آمِناً) ولم تَزَلْ

العرب تترك القتال في الشهر الحرام ، وكان يسمى رَجَب الأصَمّ لأنه لا يسمع فيه صوت السلاح.

وأما من قال جُعِلت هذه الأشياء ليَقومَ الناس بها فإنما عنى

متعبداتهم بالحج وَأسْبَابِه.

و (ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّه يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ).

فيه قولان : أحدهما أن اللّه لما آمَنَ مِنَ الخوف البلدَ الحَرَامَ ، والناسق

كان يقتل بعضعهم بعضاً ، وجعلَ الشهرَ الحرامَ يُمتَنَع فِيه من القتل ، والقوم

أهل جاهلية ، فدل بذلك أنه يعلم ما في السَّمَاوات ومَا في الأرْض إذْ جَعَل في

أعْظمِ الأوْقَاتِ فساداً ما يؤمن به ، وفيه قول آخر وهو عندي أبين ، وهو أن

ذلك مَرْدُود على ما أنبأ اللّه به على لسان نبيه في هذه السورةِ من  (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).

فأخبر بنفاقهم الذي كان مسْتَتَراً عن المسلمين ، وما أخبر به أنهم

(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ).

فأظهر اللّه ما كانوا أسَروه من قصة الزانيين ، ومسألتِهمْ إياه - صلى اللّه عليه وسلم - وما شَرَحْناه مما كانوا عليه في ذلك.

فأظهر اللّه جلَّ وعزَّ : نبيه والمؤمِنِينَ على جميع ما ستروا عَنْهُمْ .

فالمعنى - واللّه أعلم - ذلك لتعلموا الغيب الذي أنْبأتُكُمْ به عن اللّه.

يدلكم على إنَّه يعلم ما في السَّمَاوَات وما في الأرض.

ودليل هذا القول قوله جلَّ وعزَّ :

﴿ ٩٧