١١وقوله جلَّ وعزَّ : " (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) زعم الأخفش أن (ثم) ههنا في معنى الواو ، وهذا خطأ لا يجيزه الخليل وسيبويه وجميع من يوثق بعربيته ، إنما ثم للشيءِ الذي يكون بعد المذكور قبله لا غير ، وإنما في هذا الخطاب ذكر ابتداءُ خلق آدم أولًا ، فإِنما إِنا بدأنا خلق آدم ثم صورناه ، فابتداء خلق آدم التراب ، الدليل على ذلك قوله عزَّ وجلَّ (إن مثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّه كَمَثَل آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب). فبدأ اللّه خلق آدم تراباً ، وبدأ خلق حواءَ من ضلع من أضلاعه ، ثم وقعت الصورة بعد ذلك ، فهذا معنى (خلقناكم ثم صورناكم). أي هذا أصل خلقكم . ثم خلق اللّه نطفاً ثم صُوِّرُوا . فثمَّ إِنما هي لما بعدُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ : (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ). أي بعد الفراغ من خَلْق آدمَ أمِرَتِ الملائكَةَ بالسجود. و (إِلَّا إِبْلِيسَ لمْ يَكنْ مِنَ السَّاجدِين). استثناء ليس من الأول ، ولكنه ممن أمِرَ بالسجود. الدليل على ذلك قوله. (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ). فدل ب (إِذْ أَمَرْتُكَ) أنَّ إبْلِيسَ أمِرَ بالسجود مع الملائكة ، ومعنى (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) إلْغَاءُ " لا " وهي مَؤكدة ، : ما منعك أن تسجد فمسألته عن هذا واللّه قد علم ما منعه ، توبيخ له وَلْيُظْهِرَ أنه معاند ، وأنه ركب المعصية خلَافاً للّه ، وكل من خالف اللّه في أمره فلم يَرَهُ وَاجِباً عليه كافر بإجماع ، لو ترك تارك صلاةً قال إنها لا تجب كان كافراً بإِجماع الأمة. فأعلم اللّه جل ثناؤُه أن معصية إبليس معصية معانَدَة وكفر ، وقد أعلم اللّه أنه من الكافرين فقال : (إلا إبْلِيسَ أبَى واسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكَافِرِينَ). فَالْفَصْلُ بين معصية إبليس ومعصيةِ آدمَ وحَوَّاءَ أنَّ إبليس عاند وأقام ولم يتب ، وأن آدم وحواءَ اعترفا بالذنب وقالا : (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). ومثل " أَلَّا " في (أَلَّا تَسْجُدَ) (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ) أي : لأن يعلم أهل الكتاب ، وقول الشاعر : ابى جودُه لاَ البخل واستعجلت به . . . نعم من فتى لا يمنع الجوعَ قاتله قالوا معناه أبى جودُه البخلَ. وقال أبو عمرو بنُ العلاءِ : الروَايَةُ أبى جوده البخل. واستعجلت به " نَعَمْ " ، والذي قاله أبو عمرو حسن ، أبى جوده " لا " التي تُبخل الإِنسان ، كأنَّه إِذا قيل : لا تسرف ولا تبذر مالك أبى جودُه " لا " هذه ، واِستعجلت به " نعم " ، فقال : نعم أفعل ولا أترك الجودَ. وهذان القولان في البيت هما قولا العلماء ، وأرى فيه وجهاً آخر وهو عندي حسن . أرى أن تكون " لا " غير لغو ، وأن يكون البخل منصوباً بدلاً من " لا ". أبى جوده البُخْلَ واستعجلت به " نعم ". وموضع " ما " في (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) رفع ، أي شيء منعك في السجود ، فلم يقل منعني كذا وكذا فأتى بالشيء في معنى الجواب. ولفظه غير جواب ، لأن (أنَا خَيرٌ مِنْهُ) في معنى منعني من السجود فَضلى عَلَيْه . ومثل هذا في الجواب أن يَقول الرجل كيف كنت ، فَيَقولُ : أنا صالح ، وإنما الجواب كنت صحالحاً ، ولكن إنَّه قد أجابه بما احتاج إليه وزاده أنه في حال مسألته إياه صالح فقال اللّه عزْ وجلَّ : |
﴿ ١١ ﴾