٨١

و (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١)

(فَأرَدْنَا).

بمعنى أراد اللّه - جلَّ وعزَّ - لأن لفظ الإخْبَارِ عن اللّه كذا أكْثَرُ من أن

يحصى.

ومعنى : . (وَأقْرَبَ رُحْماً).

أي أقرب عَطْفاً وأمَسُّ بِالقَرابَةِ ، والرُّحْمُ والرَّحْمُ في اللغةِ العطف

والرحمةُ

قال الشاعر :

وكيف بِظُلْمِ جَارِيةٍ . . . ومنها اللين والرُّحمُ

* * *

و (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا)

وتقرأ أن يُضِيفُوهُمَا . يقَالُ : ضِفْتُ الرجلَ نزلت عليه ، وأضَفْتُه وضَيَّفْتُه ، إذا أنزلتُه وقَرَبْتُه

وقوله (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ).

أي فأقامه الخَضِرُ ، ومعنى جِدَاراً يُريدُ - والِإرادة إنما تكون في الحيوانِ

المبين ، والجدار لا يُريد إرادة حقيقيةَ ، إلَّا أن هيئته في التهيؤ للسقوط قد

ظهرت كما تظهر أفعال المريدين القاصدين ، فوصف بالِإرادة إذ الصورتان

واحدة ، وهذا كثير في الشعر واللغة.

قال الراعي يصف الِإبِل :

في مَهْمَةٍ قَلِقَتْ به هاماتُها قَلَقَ الفُؤُوسِ إِذا أَردنَ نُضولا

وقال الآخر :

يُريدُ الرمحُ صدرَ أَبي بَراء . . . ويَعدِلُ عن دِماءِ بَني عَقيل

ويقرأ : أَنْ يَنْقَضَّ ، وأَنْ يَنْقَاضَّ (١) ، فينقض يسقط بسرعة.

وينقاضَّ ينشق طولًا.

يقال انقاضَّ سِنُّه إذا انشقَت طُولاً

وقوله ؛ (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا).

وُيرْوَى : لَتَخِذْت ، وذلك أنهما لما نزلا القرية لم يُضَيفْهُمَا أهْلُهَا ، ولا

__________

(١) قال السَّمين :

  أَن يَنقَضَّ  مفعولُ الإِرادة . و « انقَضَّ » يُحتمل أن يكونَ وزنُه انْفَعَلَ ، من انقِضاضِ الطائرِ  مِنْ القِضَّة وهي الحَصَى الصِّغار . والمعنى : يريدُ اَنْ يتفتَّتَ كالحصى ، ومنه طعامٌ قَضَضٌ إذا كان فيه حَصَى صِغارٌ . وأن يكونَ وزنُه افْعَلَّ كاحْمَرَّ مِن النَّقْضِ يقال : نَقَضَ البناءَ يَنْقُضُه إذا هَدَمه . ويؤيِّد هذا ما في حرفِ عبدِ اللّه وقراءةِ الأعمش « يريد ليُنْقَضَ » مبنياً للمفعول واللامِ ، كهي في قولِه  يُرِيدُ اللّه لِيُبَيِّنَ لَكُمْ  [ النساء : ٢٦ ] . وما قرأ به اُبَيٌّ كذلك إلا أنَّه  يُرِيدُ أَن يُنقَضَ  بغير لام كي.

وقرأ الزُّهْري « أنْ يَنْقَاضَ » بألفٍ بعد القاف . قال الفارسيُّ : « هو مِنْ قولهم قِضْتُه فانقاضَ » أي : هَدَمْتُه فانهدم « . قلت : فعلى هذا يكونُ وزنُه يَنْفَعِل . والأصل انْقَيَض فَأُبْدِلَت الياءُ ألفاً . ولمَّا نَقَل أبو البقاء هذه القراءةَ قال : » مثل : يَحْمارّ « ومقتضى هذا التشبيه أن يكونَ وزنُه يَفْعالَّ . ونقل أبو البقاء أنه قُرِئ كذلك بتخفيفِ الضاد قال : » وهو مِنْ قولِك : انقاضَ البناءُ إذا تهدَّم «.

وقرأ عليٌّ أميرُ المؤمنين رضي اللّه عنه وعكرمة في آخرين » يَنْقاص « بالصاد مهملةً ، وهو مِنْ قاصَه يَقِيْصُه ، أي : كسره . قال ابنُ خالويه : » وتقول العرب « انقاصَتِ السِّنُّ : إذا انشقَّتْ طولاً » . وأُنْشِدُ لذي الرُّمَّة :

٣١٨٥- . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مُنْقاصٌ ومُنْكِثبُ

وقيل : إذا تَصَدَّعَتْ كيف كان . وأُنْشِد لأبي ذؤيب :

٣١٨٦ فِراقٌ كقَيْصِ السِّنِّ ، فالصَّبْرَ إنَّه . . . لكلِّ أُناسٍ عَثْرَةٌ وجُبورُ

ونسبةُ الإِرادةِ إلى الجدارِ مجازٌ وهو شائعٌ جداً . ومِنْ أنكر المجازَ مطلقاً  في القرآنِ خاصةً تَأَوَّلَ ذلك على أنه خُلِقَ للجِدار حياةٌ وإرادة كالحيوانات .  أنَّ الإِرادةَ صدرت من الخَضِرِ ليَحْصُلَ له ولموسى من العَجَبِ . وهو تَعَسُّفٌ كبيرٌ . وقد أنحى الزمخشريُّ على هذا القائِل إنحاءً بليغاً. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

أنزَلُوهُمَا فَقَالَ مُوسَى لو شِئتَ لأخَذْتَ أجرة إقامَتِكَ هذا الحائط ، ويقرأ

لتخذت عليه أجراً ، يقال تَخِذَ يتْخَذُ في اتَّخَذَ يَتخذُ ، وأصل تَخِذْ من أخَذْت

وأصل اتَخَذت ائْتَخذْت (١).

* * *

﴿ ٨١